Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة الفجر - الآية 8

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) (الفجر) mp3
أَيْ الْقَبِيلَة الَّتِي لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي بِلَادهمْ لِقُوَّتِهِمْ وَشِدَّتهمْ وَعِظَم تَرْكِيبهمْ قَالَ مُجَاهِد إِرَم أُمَّة قَدِيمَة يَعْنِي عَادًا الْأُولَى قَالَ قَتَادَة بْن دِعَامَة وَالسُّدِّيّ إِنَّ إِرَم بَيْت مَمْلَكَة عَاد وَهَذَا قَوْل حَسَن جَيِّد قَوِيّ وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْكَلْبِيّ فِي قَوْله " ذَات الْعِمَاد " كَانُوا أَهْل عُمُد لَا يُقِيمُونَ وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ ذَات الْعِمَاد لِطُولِهِمْ . وَاخْتَارَ الْأَوَّل اِبْن جَرِير وَرَدَّ الثَّانِي فَأَصَابَ وَقَوْله تَعَالَى " الَّتِي لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي الْبِلَاد " أَعَادَ اِبْن زَيْد الضَّمِير عَلَى الْعِمَاد لِارْتِفَاعِهَا وَقَالَ بَنَوْا عُمُدًا بِالْأَحْقَافِ لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي الْبِلَاد وَأَمَّا قَتَادَة وَابْن جَرِير فَأَعَادَ الضَّمِير عَلَى الْقَبِيلَة أَيْ لَمْ يُخْلَق مِثْل تِلْكَ الْقَبِيلَة فِي الْبِلَاد يَعْنِي فِي زَمَانهمْ وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّوَاب وَقَوْل اِبْن زَيْد وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبه ضَعِيف لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَاد ذَلِكَ لَقَالَ الَّتِي لَمْ يُعْمَل مِثْلهَا فِي الْبِلَاد وَإِنَّمَا قَالَ " لَمْ يُخْلَق مِثْلهَا فِي الْبِلَاد " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح كَاتِب اللَّيْث حَدَّثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ الْمِقْدَام عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ " إِرَم ذَات الْعِمَاد " فَقَالَ كَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَأْتِي عَلَى الصَّخْرَة فَيَحْمِلهَا عَلَى الْحَيّ فَيُهْلِكهُمْ " ثُمَّ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِر حَدَّثَنَا أَنَس بْن عِيَاض عَنْ ثَوْر بْن زَيْد الدَّيْلِيّ قَالَ قَرَأْت كِتَابًا قَدْ سَمَّى حَيْثُ قَرَأَهُ أَنَا شَدَّاد بْن عَاد وَأَنَا الَّذِي رَفَعْت الْعِمَاد وَأَنَا الَّذِي شَدَدْت بِذِرَاعِي نَظَر وَاحِد وَأَنَا الَّذِي كَنَزْت كَنْزًا عَلَى سَبْعَة أَذْرُع لَا يُخْرِجهُ إِلَّا أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قُلْت " فَعَلَى كُلّ قَوْل سَوَاء كَانَتْ الْعِمَاد أَبْنِيَة بَنَوْهَا أَوْ أَعْمِدَة بُيُوتهمْ لِلْبُدُوِّ أَوْ سِلَاحًا يُقَاتِلُونَ بِهِ أَوْ طُول الْوَاحِد مِنْهُمْ فَهُمْ قَبِيلَة وَأُمَّة مِنْ الْأُمَم وَهُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآن فِي غَيْر مَا مَوْضِع الْمَقْرُونُونَ بِثَمُودَ كَمَا هَهُنَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " إِرَم ذَات الْعِمَاد " مَدِينَة إِمَّا دِمَشْق كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعِكْرِمَة أَوْ إِسْكَنْدَرِيَّة كَمَا رُوِيَ عَنْ الْقُرَظِيّ أَوْ غَيْرهمَا فَفِيهِ نَظَر فَإِنَّهُ كَيْف يَلْتَئِم الْكَلَام عَلَى هَذَا " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّك بِعَادٍ إِرَم ذَات الْعِمَاد " إِنْ جُعِلَ ذَلِكَ بَدَلًا أَوْ عَطْف بَيَان ؟ فَإِنَّهُ لَا يَتَّسِق الْكَلَام حِينَئِذٍ ثُمَّ الْمُرَاد إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار عَنْ إِهْلَاك الْقَبِيلَة الْمُسَمَّاة بِعَادٍ وَمَا أَحَلَّ اللَّه بِهِمْ مِنْ بَأْسه الَّذِي لَا يُرَدّ لَا أَنَّ الْمُرَاد الْإِخْبَار عَنْ مَدِينَة أَوْ إِقْلِيم . وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِكَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ جَمَاعَة مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عِنْد هَذِهِ الْآيَة مِنْ ذِكْر مَدِينَة يُقَال لَهَا " إِرَم ذَات الْعِمَاد " مَبْنِيَّة بِلَبِنِ الذَّهَب وَالْفِضَّة قُصُورهَا وَدُورهَا وَبَسَاتِينهَا وَإِنَّ حَصْبَاءَهَا لَآلِئ وَجَوَاهِر وَتُرَابهَا بَنَادِق الْمِسْك وَأَنْهَارهَا سَارِحَة وَثِمَارهَا سَاقِطَة وَدُورهَا لَا أَنِيس بِهَا وَسُوَرهَا وَأَبْوَابهَا تُصَفِّر لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيب وَإِنَّهَا تَنْتَقِل فَتَارَة تَكُون بِأَرْضِ الشَّام وَتَارَة بِالْيَمَنِ وَتَارَة بِالْعِرَاقِ وَتَارَة بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَاد فَإِنَّ هَذَا كُلّه مِنْ خُرَافَات الْإسْرائِلِيِّينَ وَمِنْ وَضْع بَعْض زَنَادِقَتهمْ لِيَخْتَبِرُوا بِذَلِكَ عُقُول الْجَهَلَة مِنْ النَّاس أَنْ تُصَدِّقهُمْ فِي جَمِيع ذَلِكَ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ وَغَيْره أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَاب وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن قِلَابَة فِي زَمَان مُعَاوِيَة ذَهَبَ فِي طَلَب أَبَاعِر لَهُ شَرَدَتْ فَبَيْنَمَا هُوَ يَتِيه فِي اِبْتِغَائِهَا إِذْ اِطَّلَعَ عَلَى مَدِينَة عَظِيمَة لَهَا سُور وَأَبْوَاب فَدَخَلَهَا فَوَجَدَ فِيهَا قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ صِفَات الْمَدِينَة الذَّهَبِيَّة الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرهَا وَأَنَّهُ رَجَعَ فَأَخْبَرَ النَّاس فَذَهَبُوا مَعَهُ إِلَى الْمَكَان الَّذِي قَالَ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا . وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن أَبِي حَاتِم قِصَّة " إِرَم ذَات الْعِمَاد " هَهُنَا مُطَوَّلَة جِدًّا فَهَذِهِ الْحِكَايَة لَيْسَ يَصِحّ إِسْنَادهَا وَلَوْ صَحَّ إِلَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيّ فَقَدْ يَكُون اِخْتَلَقَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ أَصَابَهُ نَوْع مِنْ الْهَوَس وَالْخَبَال فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ حَقِيقَة فِي الْخَارِج وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَقْطَع بِعَدَمِ صِحَّته وَهَذَا قَرِيب مِمَّا يُخْبِر بِهِ كَثِير مِنْ الْجَهَلَة وَالطَّامِعِينَ وَالْمُتَحَيِّلِينَ مِنْ وُجُود مَطَالِب تَحْت الْأَرْض فِيهَا قَنَاطِير الذَّهَب وَالْفِضَّة وَأَلْوَان الْجَوَاهِر وَالْيَوَاقِيت وَاللَّآلِئ وَالْإِكْسِير الْكَبِير لَكِنْ عَلَيْهَا مَوَانِع تَمْنَع مِنْ الْوُصُول إِلَيْهَا وَالْأَخْذ مِنْهَا فَيَحْتَالُونَ عَلَى أَمْوَال الْأَغْنِيَاء وَالضَّعَفَة وَالسُّفَهَاء فَيَأْكُلُونَهَا بِالْبَاطِلِ فِي صَرْفهَا فِي بَخَاخِير وَعَقَاقِير وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْهَذَيَانَات وَيَطْنِزُونَ بِهِمْ وَاَلَّذِي يُجْزَم بِهِ أَنَّ فِي الْأَرْض دَفَائِن جَاهِلِيَّة وَإِسْلَامِيَّة وَكُنُوزًا كَثِيرَة مَنْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَمْكَنَهُ تَحْوِيله فَأَمَّا عَلَى الصِّفَة الَّتِي زَعَمُوهَا فَكَذِب وَافْتِرَاء وَبُهْت وَلَمْ يَصِحّ فِي ذَلِكَ شَيْء مِمَّا يَقُولُونَ إِلَّا عَنْ نَقْلهمْ أَوْ نَقْل مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى الْهَادِي لِلصَّوَابِ . وَقَوْل اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " إِرَم ذَات الْعِمَاد" قَبِيلَة أَوْ بَلْدَة كَانَتْ عَاد تَسْكُنهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تُصْرَف. فِيهِ نَظَر لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ السِّيَاق إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار عَنْ الْقَبِيلَة .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • شرح العقيدة الطحاوية [ البراك ]

    العقيدة الطحاوية : متن مختصر صنفه العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه، وقد تناولها عدد كبير من أهل العلم بالتوضيح والبيان، ومن هؤلاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، وفي هذه الصفحة نسخة مصورة من هذا الكتاب.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205049

    التحميل:

  • تيسير العلام شرح عمدة الأحكام

    تيسير العلام شرح عمدة الأحكام: هذا الكتاب يحتوي على نخبة منتقاة من أصحّ آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - اختارها المؤلف من صحيحي البخاري ومسلم، ورتبها على الأبواب الفقهية؛ لتكون عوناً على أخذ المسائل من أدلتها الصحيحة، ونظراً لأهمية الكتاب فقد قام فضيلة الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - ببشرحه شرحاً تميز بأسلوب سهل، قريب المأخذ، مفصل المواضيع، فتكلم أولاً على المعنى المجمل متحرياً مطابقة اللفظ، ومبيناً ما طوي تحت الألفاظ من حكمة وتشريع أو توطئة وتمهيد وغيره مما توحيه الجمل والألفاظ، وإذا احتاج المقام إلى توضيح من بعض طرق الحديث التي لم يورده المؤلف أجمله الشارح معه، منبهاً على ذلك، لتتم الفائدة، ويستقيم البحث، ثم يستخرج من الحديث ما يدل عليه من الأحكام والآداب، ثم يذكر ما قوي من خلاف العلماء، مع ذكر أدلتهم ومآخذهم، مع حرصه على بيان حكمة التشريع وجمال الإسلام وسمو أهدافه، وجليل مقاصده، من وراء هذه النصوص، ليقف القارئ على محاسن دينه وشريف أغراضه، ويعرف أنه دين ودولة.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2098

    التحميل:

  • زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة.. حقائق قد لا تعرفها

    رسالةٌ تُبيِّن الحِكمة من زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السيدة عائشة - رضي الله عنها - صغيرة، ويرد على الطعون والشبهات المثارة حول هذا الزواج، وفي هذا البحث بيان سبب عدم إنكار قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما تزوج عائشة - رضي الله عنها -، ويتعرَّض لسن الزواج في اليهودية، ويبيِّن أن هذا الزواج ليس مجرد سعي وراء الشهوة.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/320093

    التحميل:

  • الميسر في علم التجويد

    الهدف المرجو من تأليف هذا الكتاب هو تيسير تعليم أحكام التجويد وتعلمها، وذلك بالاستناد إلى مصادر علم التجويد الأولى، والاستفادة مما توصل إليه علم الأصوات اللغوية من حقائق تتعلق بطبيعة الصوت اللغوي وكيفية إنتاجه وتنوعه. وقد حرص المؤلف فيه على ذكر الموضوعات الأساسية لعلم التجويد، على نحو ترتيبها في المقدمة الجزرية، وتميز الكتاب بإلحاق خلاصة لكل مبحث تضع أمام الدارس أهم النقاط فيه، وأسئلة نظرية تساعده في تثبيت الحقائق في ذهنه، وتطبيق عملي يُنَمِّي قدرة المتعلم على التلاوة الصحيحة.

    الناشر: معهد الإمام الشاطبي http://www.shatiby.edu.sa

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/385697

    التحميل:

  • شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة

    شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة: فإن أعظم ما يقوي الإيمان ويجلبه معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها، وفي هذا الكتاب شرح بعض أسماء الله - عز وجل - الحسنى. - راجع الكتاب: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/167466

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة