Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة المائدة - الآية 5

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) (المائدة) mp3
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْخَبَائِث وَمَا أَحَلَّهُ لَهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات قَالَ بَعْده " الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات " ثُمَّ ذَكَرَ حُكْم ذَبَائِح أَهْل الْكِتَابَيْنِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَقَالَ " وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلٌّ لَكُمْ " قَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو أُمَامَةَ وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَالْحَسَن وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالسُّدِّيّ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان : يَعْنِي ذَبَائِحهمْ وَهَذَا أَمْر مُجْمَع عَلَيْهِ بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّ ذَبَائِحهمْ حَلَال لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيم الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه وَلَا يَذْكُرُونَ عَلَى ذَبَائِحهمْ إِلَّا اِسْم اللَّه وَإِنْ اِعْتَقَدُوا فِيهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُنَزَّه عَنْهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُغَفَّل قَالَ : أُدْلِيَ بِجِرَابٍ مِنْ شَحْم يَوْم خَيْبَر فَحَضَنْته وَقُلْت لَا أُعْطِي الْيَوْم مِنْ هَذَا أَحَدًا وَالْتَفَتّ فَإِذَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّم فَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاء عَلَى أَنَّهُ يَجُوز تَنَاوُل مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ الْأَطْعِمَة وَنَحْوهَا مِنْ الْغَنِيمَة قَبْل الْقِسْمَة وَهَذَا ظَاهِر وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاء : الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالْحَنَابِلَة عَلَى أَصْحَاب مَالِك فِي مَنْعهمْ أَكْل مَا يَعْتَقِد الْيَهُود تَحْرِيمه مِنْ ذَبَائِحهمْ كَالشُّحُومِ وَنَحْوهَا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فَالْمَالِكِيَّة لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْله لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ " قَالُوا : وَهَذَا لَيْسَ مِنْ طَعَامهمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ الْجُمْهُور بِهَذَا الْحَدِيث وَفِي ذَلِكَ نَظَر لِأَنَّهُ قَضِيَّة عَيْن وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون شَحْمًا يَعْتَقِدُونَ حِلّه كَشَحْمِ الظَّهْر وَالْحَوَايَا وَنَحْوهمَا وَاَللَّه أَعْلَمُ وَأَجْوَدُ مِنْهُ فِي الدَّلَالَة مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّ أَهْل خَيْبَر أَهْدَوْا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاة مَصْلِيَّة وَقَدْ سَمُّوا ذِرَاعَهَا وَكَانَ يُعْجِبهُ الذِّرَاعُ فَتَنَاوَلَهُ فَنَهَشَ مِنْهُ نَهْشَة فَأَخْبَرَهُ الذِّرَاع أَنَّهُ مَسْمُوم فَلَفَظَهُ وَأَثَّرَ ذَلِكَ فِي ثَنَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَبْهَرِهِ وَأَكَلَ مَعَهُ مِنْهَا بِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور فَمَاتَ فَقَتَلَ الْيَهُودِيَّة الَّتِي سَمَّتْهُ وَكَانَ اِسْمُهَا زَيْنَب فَقُتِلَتْ بِبِشْرِ بْن الْبَرَاء . وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى أَكْلهَا وَمَنْ مَعَهُ وَلَمْ يَسْأَلهُمْ هَلْ نَزَعُوا مِنْهَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه مِنْ شَحْمهَا أَمْ لَا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضَافَهُ يَهُودِيّ عَلَى خُبْز شَعِير وَإِهَالَة سَنِخَة يَعْنِي وَدَكًا زَنِخًا وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم قُرِئَ عَلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن مَزِيد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن شُعَيْب أَخْبَرَنِي النُّعْمَان بْن الْمُنْذِر عَنْ مَكْحُول قَالَ أَنْزَلَ اللَّه " وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ " ثُمَّ نَسَخَهُ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ وَرَحِمَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ " الْيَوْم أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب " فَنَسَخَهَا بِذَلِكَ وَأَحَلَّ طَعَام أَهْل الْكِتَاب وَفِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ مَكْحُول رَحِمَهُ اللَّه نَظَر فَإِنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ إِبَاحَته طَعَامَ أَهْل الْكِتَاب إِبَاحَةُ أَكْل مَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَى ذَبَائِحهمْ وَقَرَابِينهمْ وَهُمْ مُتَعَبِّدُونَ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يُبِحْ ذَبَائِح مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك وَمَنْ شَابَهَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَى ذَبَائِحهمْ بَلْ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ مِنْ اللَّحْم عَلَى ذَكَاة بَلْ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَة بِهِ بِخِلَافِ أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ مِنْ السَّامِرَة وَالصَّابِئَة وَمَنْ يَتَمَسَّك بِدِينِ إِبْرَاهِيم وَشِيث وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَنْبِيَاء عَلَى أَحَد قَوْلَيْ الْعُلَمَاء وَنَصَارَى الْعَرَب : كَبَنِي تَغْلِب وتوخ وَبَهْرَا وَجُذَام وَلَخْم وَعَامِلَة وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ عِنْد الْجُمْهُور . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة قَالَ : قَالَ عَلِيّ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح بَنَى تَغْلِب لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنْ النَّصْرَانِيَّة بِشُرْبِ الْخَمْر وَكَذَا قَالَتْ غَيْر وَاحِد مِنْ الْخَلَف وَالسَّلَف . وَقَالَ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة : عَنْ قَتَادَة عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَأَمَّا الْمَجُوس فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَة تَبَعًا وَإِلْحَاقًا لِأَهْلِ الْكِتَاب فَإِنَّهُمْ لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ وَلَا تُنْكَح نِسَاؤُهُمْ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْر إِبْرَاهِيم بْن خَالِد الْكَلْبِيّ أَحَد الْفُقَهَاء مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ عَنْهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاء ذَلِكَ حَتَّى قَالَ عَنْهُ الْإِمَام أَحْمَد : أَبُو ثَوْر كَاسْمِهِ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَكَأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِعُمُومِ حَدِيث رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهْل الْكِتَاب " وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُت بِهَذَا اللَّفْظ وَإِنَّمَا الَّذِي فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَة مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَلَوْ سُلِّمَ صِحَّةُ هَذَا الْحَدِيث فَعُمُومه مَخْصُوص بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَة" وَطَعَام الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حِلّ لَكُمْ " فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى أَنَّ طَعَامَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ لَا يَحِلُّ وَقَوْله تَعَالَى " وَطَعَامكُمْ حِلّ لَهُمْ" أَيْ وَيَحِلّ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحكُمْ وَلَيْسَ هَذَا إِخْبَارًا عَنْ الْحُكْم عِنْدهمْ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُون خَبَرًا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَكْل مِنْ كُلّ طَعَام ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ أَوْ غَيْرهَا وَالْأَوَّل أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى أَيْ وَلَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ مِنْ ذَبَائِحكُمْ كَمَا أَكَلْتُمْ مِنْ ذَبَائِحهمْ وَهَذَا مِنْ بَاب الْمُكَافَأَة وَالْمُقَابَلَة وَالْمُجَازَاة كَمَا أَلْبَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبه لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول حِين مَاتَ وَدَفَنَهُ فِيهِ قَالُوا لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ كَسَا الْعَبَّاس حِين قَدِمَ الْمَدِينَة ثَوْبه فَجَازَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي فِيهِ : " لَا تَصْحَب إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُل طَعَامَك إِلَّا تَقِيّ " فَمَحْمُول عَلَى النَّدْب وَالِاسْتِحْبَاب وَاَللَّه أَعْلَمُ. وَقَوْله " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الْمُؤْمِنَات " أَيْ وَأُحِلَّ لَكُمْ نِكَاح الْحَرَائِر الْعَفَائِف مِنْ النِّسَاء الْمُؤْمِنَات وَذَكَرَ هَذَا تَوْطِئَة لِمَا بَعْده وَهُوَ قَوْله تَعَالَى " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " فَقِيلَ أَرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِر دُون الْإِمَاء حَكَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ مُجَاهِد وَإِنَّمَا قَالَ مُجَاهِد الْمُحْصَنَات الْحَرَائِر فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ وَمُحْتَمَل أَنْ يَكُون أَرَادَ بِالْحُرَّةِ الْعَفِيفَة كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور هَهُنَا وَهُوَ الْأَشْبَه لِئَلَّا يَجْتَمِع فِيهَا أَنْ تَكُون ذِمِّيَّة وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ غَيْر عَفِيفَة فَيَفْسُد حَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَيَتَحَصَّلُ زَوْجُهَا عَلَى مَا قِيلَ فِي الْمِثْلِ : " حَشَفًا وَسُوء كَيْلَة " وَالظَّاهِر مِنْ الْآيَة أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفِيفَات عَنْ الزِّنَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " مُحْصَنَات غَيْر مُسَافِحَات وَلَا مُتَّخِذَات أَخْدَان " ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْعُلَمَاء فِي قَوْله تَعَالَى " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " هَلْ يَعُمّ كُلّ كِتَابِيَّة عَفِيفَة سَوَاء كَانَتْ حُرَّة أَوْ أَمَة حَكَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ طَائِفَة مِنْ السَّلَف مِمَّنْ فَسَّرَ الْمُحْصَنَة بِالْعَفِيفَةِ وَقِيلَ الْمُرَاد بِأَهْلِ الْكِتَاب هَهُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّات وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَقِيلَ الْمُرَاد بِذَلِكَ الذِّمِّيَّات دُون الْحَرْبِيَّات لِقَوْلِهِ" قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر " الْآيَة وَقَدْ كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَا يَرَى التَّزْوِيج بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَيَقُول لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُول إِنَّ رَبّهَا عِيسَى وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات حَتَّى يُؤْمِنَّ " الْآيَة وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَاتِم بْن سُلَيْمَان الْمُؤَدِّب حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن مَالِك يَعْنِي الْمُزَنِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع عَنْ أَبِي مَالِك الْغِفَارِيّ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات حَتَّى يُؤْمِنَّ " قَالَ : فَحُجِزَ النَّاس عَنْهُنَّ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " فَنَكَحَ النَّاس نِسَاء أَهْل الْكِتَاب وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة مِنْ نِسَاء النَّصَارَى وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا أَخْذًا بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة " وَالْمُحْصَنَات مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ " فَجَعَلُوا هَذِهِ مُخَصِّصَة لِلَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَات حَتَّى يُؤْمِنَّ " إِنْ قِيلَ بِدُخُولِ الْكِتَابِيَّات فِي عُمُومهَا وَإِلَّا فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهَا وَبَيْنهَا لِأَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ اِنْفَصَلُوا فِي ذِكْرهمْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْر مَوْضِع كَقَوْلِهِ تَعَالَى" لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَة " وَكَقَوْلِهِ " وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اِهْتَدَوْا " الْآيَة وَقَوْله " إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ " أَيْ مُهُورهنَّ أَيْ كَمَا هُنَّ مُحْصَنَات عَفَائِف فَابْذُلُوا لَهُنَّ الْمُهُور عَنْ طِيب نَفْس وَقَدْ أَفْتَى جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَعَامِر الشَّعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ بِأَنَّ الرَّجُل إِذَا نَكَحَ اِمْرَأَة فَزَنَتْ قَبْل دُخُوله بِهَا أَنَّهُ يُفَرَّق بَيْنهمَا وَتَرُدُّ عَلَيْهِ مَا بَذَلَ لَهَا مِنْ الْمَهْر رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْهُمْ وَقَوْله " مُحْصِنِينَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان " فَكَمَا شَرَطَ الْإِحْصَان فِي النِّسَاء وَهِيَ الْعِفَّة عَنْ الزِّنَا كَذَلِكَ شَرَطَهَا فِي الرِّجَال وَهُوَ أَنْ يَكُون الرَّجُل مُحْصَنًا عَفِيفًا وَلِهَذَا قَالَ غَيْر مُسَافِحِينَ وَهُمْ الزُّنَاة الَّذِينَ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ مَعْصِيَة وَلَا يَرُدُّونَ أَنْفُسهمْ عَمَّنْ جَاءَهُمْ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَان أَيْ ذَوِي الْعَشِيقَات الَّذِينَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا مَعَهُنَّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة النِّسَاء سَوَاء وَلِهَذَا ذَهَبَ الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحّ نِكَاح الْمَرْأَة الْبَغِيّ حَتَّى تَتُوب وَمَا دَامَتْ كَذَلِكَ لَا يَصِحّ تَزْوِيجهَا مِنْ رَجُل عَفِيف وَكَذَلِكَ لَا يَصِحّ عِنْده عَقْد الرَّجُل الْفَاجِر عَلَى عَفِيفَة حَتَّى يَتُوب وَيُقْلِع عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنْ الزِّنَا لِهَذِهِ الْآيَة وَلِلْحَدِيثِ لَا يَنْكِح الزَّانِي الْمَجْلُود إِلَّا مِثْله وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن حَرْب حَدَّثَنَا أَبُو هِلَال عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لَا أَدَع أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَة فِي الْإِسْلَام أَنْ يَتَزَوَّج مُحْصَنَة فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْن كَعْب : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الشِّرْك أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ يُقْبَل مِنْهُ إِذَا تَابَ وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُسْتَقْصًى عِنْد قَوْله " الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَهُنَا " وَمَنْ يَكْفُر بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ" .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • تناقضات

    هذه محاضرة للشيخ عبدالعزيز السدحان فرغها في كتاب الأخ إبراهيم السبتي وأعاد صياغتها الأخ بندر الشويقي، وتحدث الشيخ فيها عن أربعة وثلاثين مسألة يكون فيها تناقض شرعي بين الناس، بعد ذكر أسباب ذلك، ومن أمثلتها الفتوى مع قلة العلم، وتزويج تارك الصلاة وترك غيره، والتعامل مع الخادمات بقسوة في الطعام والشراب والتساهل معها في كشف الوجه، إلى غير ذلك...

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/261643

    التحميل:

  • انصر نبيَّك وكن داعيًا - مجموعة القصص الفائزة

    انصر نبيَّك وكن داعيًا - مجموعة القصص الفائزة: هذه المجموعة من القصص: قِطفٌ طيبٌ من ثمار مسابقة الألوكة، جادت بها قرائحُ أدباء أخلصوا أقلامهم للخير، وسخَّروا مواهبهم فيما يُرضِي الله، وقد جمعت نصوصهم بين نُبل الهدف والغاية وجمال الصَّوغ وإشراق الأسلوب، وكل قصةٍ منها جلَّت جانبًا من جوانب العظمة في شخص سيد الخلق نبي الرحمة والهُدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي جديرةٌ أن نقرأها ونُقرِئها أبناءنا. وتحتوي على أربعة قصص، وهي: 1- الإفك .. المحنة البليغة. 2- هل أسلم القيصر؟ 3- أنا وفيليب ومحمد. 4- المفتاح.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/341372

    التحميل:

  • المنتقى للحديث في رمضان

    المنتقى للحديث في رمضان : مجموعة من الدروس تساعد الأئمة والوعاظ في تحضير دروسهم في شهر رمضان المبارك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172215

    التحميل:

  • الذكرى بخطر الربا

    الذكرى بخطر الربا: تذكرةٌ بشأن الربا، والتحذير من خطره وضرره على الفرد والمجتمع، وعقابه في الدنيا والآخرة، بما ورد في نصوص الكتاب والسنة.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/330350

    التحميل:

  • تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة

    تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة : أصل هذا السفر العظيم تعجيل المنفعة كتاب "التذكرة في رجال الكتاب العشرة" لأبي المحاسن شمس الدين محمد بن حمزة الحسيني الشافعي (715-765) حيث اختصر فيه كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، وأضاف لتراجمة من في "مسند أبي حنيفة للحارثي"، و"الموطأ" لمالك، والمسند للشافعي، ومسند الإمام أحمد، وقال في أوله: "ذكرت فيها رجال كتب الأئمة الربعة المقتدى بهم، أن عمدتهم في استدلالهم لمذاهبهم في الغالب على ما رووه بأسانيدهم في مسانيدهم" ثم أفاد الحافظ ابن حجر من هذا الكتاب فحذف رجال الأئمة الستة، واكتفى بإيرادهم في كتاب "تهذيب التهذيب" وسلخ ما ذكره الحافظ الحسيني في رجال الأئمة الأربعة، فبدأ بما قاله ثم يعقب أو يسترد ألفاظ جرح وتعديل أو شيوخ للراوي المترجم.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141380

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة