Muslim Library

تفسير القرطبي - سورة ص - الآية 1

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) (ص) mp3
سُورَة " ص " مَكِّيَّة وَآيَاتهَا 88 نَزَلَتْ بَعْد الْقَمَر وَهِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل الْجَمِيع , وَهِيَ سِتّ وَثَمَانُونَ آيَة . وَقِيلَ ثَمَان وَثَمَانُونَ آيَة . قِرَاءَة الْعَامَّة " ص " بِجَزْمِ الدَّال عَلَى الْوَقْف ; لِأَنَّهُ حَرْف مِنْ حُرُوف الْهِجَاء مِثْل : " الم " وَ " المر " . وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن وَابْن أَبِي إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " صَادِ " بِكَسْرِ الدَّال بِغَيْرِ تَنْوِين . وَلِقِرَاءَتِهِ مَذْهَبَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ مِنْ صَادَى يُصَادِي إِذَا عَارَضَ , وَمِنْهُ " فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى " [ عَبَسَ : 6 ] أَيْ تَعَرَّضُ . وَالْمُصَادَاة الْمُعَارَضَة , وَمِنْهُ الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِض الصَّوْت فِي الْأَمَاكِن الْخَالِيَة . فَالْمَعْنَى صَادِ الْقُرْآن بِعَمَلِك ; أَيْ عَارِضْهُ بِعَمَلِك وَقَابِلْهُ بِهِ , فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ , وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيه . النَّحَّاس : وَهَذَا الْمَذْهَب يُرْوَى عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِ قِرَاءَته رِوَايَة صَحِيحَة . وَعَنْهُ أَنَّ الْمَعْنَى اُتْلُهُ وَتَعَرَّضْ لِقِرَاءَتِهِ . وَالْمَذْهَب الْآخَر أَنْ تَكُون الدَّال مَكْسُورَة لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " صَادَ " بِفَتْحِ الدَّال مِثْله : " قَافَ " وَ " نُونَ " بِفَتْحِ آخِرهَا . وَلَهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَة مَذَاهِب : أَحَدُهُنَّ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى اُتْلُ . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون فَتَحَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَاخْتَارَ الْفَتْح لِلْإِتْبَاعِ ; وَلِأَنَّهُ أَخَفّ الْحَرَكَات . وَالثَّالِث أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْقَسَم بِغَيْرِ حَرْف ; كَقَوْلِك : اللَّه لَأَفْعَلَنَّ , وَقِيلَ : نَصْب عَلَى الْإِغْرَاء . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَادَ مُحَمَّد قُلُوب الْخَلْق وَاسْتَمَالَهَا حَتَّى آمَنُوا بِهِ . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق أَيْضًا " صَادٍ " بِكَسْرِ الدَّال وَالتَّنْوِين عَلَى أَنْ يَكُون مَخْفُوضًا عَلَى حَذْف حَرْف الْقَسَم , وَهَذَا بَعِيد وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَجَازَ مِثْله . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُشَبَّهًا بِمَا لَا يَتَمَكَّن مِنْ الْأَصْوَات وَغَيْرهَا . وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع : " صَادُ " وَ " قَافُ " وَ " نُونُ " بِضَمِّ آخِرِهِنَّ : لِأَنَّهُ الْمَعْرُوف بِالْبِنَاءِ فِي غَالِب الْحَال , نَحْو مُنْذُ وَقَطُّ وَقَبْل وَبَعْد . وَ " ص " إِذَا جَعَلْته اِسْمًا لِلسُّورَةِ لَمْ يَنْصَرِف ; كَمَا أَنَّك إِذَا سَمَّيْت مُؤَنَّثًا بِمُذَكِّرٍ لَا يَنْصَرِف وَإِنْ قَلَّتْ حُرُوفُهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَقَدْ سُئِلَا عَنْ " ص " فَقَالَا : لَا نَدْرِي مَا هِيَ . وَقَالَ عِكْرِمَة : سَأَلَ نَافِع بْن الْأَزْرَق اِبْن عَبَّاس عَنْ " ص " فَقَالَ : " ص " كَانَ بَحْرًا بِمَكَّة وَكَانَ عَلَيْهِ عَرْش الرَّحْمَن إِذْ لَا لَيْل وَلَا نَهَار . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : " ص " بَحْر يُحْيِي اللَّه بِهِ الْمَوْتَى بَيْن النَّفْخَتَيْنِ . وَقَالَ الضَّحَّاك : مَعْنَاهُ صَدَقَ اللَّه . وَعَنْهُ أَنَّ " ص " قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى . وَقَالَ السُّدِّيّ , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هُوَ مِفْتَاح أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى صَمَد وَصَانِع الْمَصْنُوعَات وَصَادِق الْوَعْد . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الرَّحْمَن . وَعَنْهُ أَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . وَقَالَ مُجَاهِد : هُوَ فَاتِحَة السُّورَة . وَقِيلَ : هُوَ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْل الْأَوَّل . وَقَدْ تَقَدَّمَ جَمِيع هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ] .

خَفْض بِوَاوِ الْقَسَم وَالْوَاو بَدَل مِنْ الْبَاء ; أَقْسَمَ بِالْقُرْآنِ تَنْبِيهًا عَلَى جَلَالَة قَدْره ; فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ كُلّ شَيْء , وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُور , وَمُعْجِزَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

خَفْض عَلَى النَّعْت وَعَلَامَة خَفْضه الْيَاء , وَهُوَ اِسْم مُعْتَلّ وَالْأَصْل فِيهِ ذَوَيْ عَلَى فَعَل . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَمُقَاتِل مَعْنَى " ذِي الذَّكَر " ذِي الْبَيَان . الضَّحَّاك : ذِي الشَّرَف أَيْ مَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ شَرَفًا لَهُ فِي الدَّارَيْنِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ " [ الْأَنْبِيَاء : 10 ] أَيْ شَرَفكُمْ . وَأَيْضًا الْقُرْآن شَرِيف فِي نَفْسه لِإِعْجَازِهِ وَاشْتِمَاله عَلَى مَا لَا يَشْتَمِل عَلَيْهِ غَيْره . وَقِيلَ : " ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ أَمْر الدِّين . وَقِيلَ : " ذِي الذِّكْر " أَيْ فِيهِ ذِكْر أَسْمَاء اللَّه وَتَمْجِيده . وَقِيلَ : أَيْ ذِي الْمَوْعِظَة وَالذِّكْر . وَجَوَاب الْقَسَم مَحْذُوف . وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَوْجُه : فَقِيلَ جَوَاب الْقَسَم " ص " ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَقّ فَهِيَ جَوَاب لِقَوْلِهِ : " وَالْقُرْآن " كَمَا تَقُول : حَقًّا وَاَللَّه , نَزَلَ وَاَللَّه , وَجَبَ وَاَللَّه ; فَيَكُون الْوَقْف مِنْ هَذَا الْوَجْه عَلَى قَوْله : " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " حَسَنًا , وَعَلَى " فِي عِزَّة وَشِقَاق " تَمَامًا . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ . وَحَكَى مَعْنَاهُ الثَّعْلَبِيّ عَنْ الْفَرَّاء . وَقِيلَ : الْجَوَاب " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " لِأَنَّ " بَلْ " نَفْي لِأَمْرٍ سَبَقَ وَإِثْبَات لِغَيْرِهِ ; قَالَهُ الْقُتَبِيّ ; فَكَأَنَّهُ قَالَ : " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّة وَشِقَاق " عَنْ قَبُول الْحَقّ وَعَدَاوَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَوْ " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " مَا الْأَمْر كَمَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّك سَاحِر كَذَّاب ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَك بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَة بَلْ هُمْ فِي تَكَبُّر عَنْ قَبُول الْحَقّ . وَهُوَ كَقَوْلِهِ : " ق وَالْقُرْآن الْمَجِيد . بَلْ عَجِبُوا " [ قِ : 2 ] . وَقِيلَ : الْجَوَاب " وَكَمْ أَهْلَكْنَا " [ قِ : 36 ] كَأَنَّهُ قَالَ : وَالْقُرْآن لَكَمْ أَهْلَكْنَا ; فَلَمَّا تَأَخَّرَتْ " كَمْ " حُذِفَتْ اللَّام مِنْهَا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَالشَّمْس وَضُحَاهَا " [ الشَّمْس : 1 ] ثُمَّ قَالَ : " قَدْ أَفْلَحَ " [ الشَّمْس : 9 ] أَيْ لَقَدْ أَفْلَحَ . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَهَذَا مَذْهَب الْفَرَّاء . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : فَمِنْ هَذَا الْوَجْه لَا يَتِمّ الْوَقْف عَلَى قَوْله : " فِي عِزَّة وَشِقَاق " . وَقَالَ الْأَخْفَش : جَوَاب الْقَسَم " إِنْ كُلّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُل فَحَقَّ عِقَاب " وَنَحْو مِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين " [ الشُّعَرَاء : 97 ] وَقَوْله : " وَالسَّمَاء وَالطَّارِق " إِلَى قَوْله " إِنْ كُلّ نَفْس " [ الطَّارِق : 1 - 4 ] . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا قَبِيح ; لِأَنَّ الْكَلَام قَدْ طَالَ فِيمَا بَيْنهمَا وَكَثُرَتْ الْآيَات وَالْقَصَص . وَقَالَ الْكِسَائِيّ : جَوَاب الْقَسَم قَوْله : " إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُم أَهْل النَّار " [ ص : 64 ] . اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا أَقْبَح مِنْ الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْكَلَام أَشَدّ طُولًا فِيمَا بَيْن الْقَسَم وَجَوَابه . وَقِيلَ الْجَوَاب قَوْله : " إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد " [ ص : 54 ] . وَقَالَ قَتَادَة : الْجَوَاب مَحْذُوف تَقْدِيره " وَالْقُرْآن ذِي الذِّكْر " لَتُبْعَثُنَّ وَنَحْوه .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية

    التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذا شرحٌ مختصرٌ للقصيدة السنيَّة والمنظومة البهيَّة المشهورة بـ (الحائية) لناظمها الإمام المُحقِّق والحافظ المُتقِن شيخ بغداد أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ابن صاحب السنن الإمام المعروف - رحمهما الله -».

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/344673

    التحميل:

  • بعض فوائد صلح الحديبية

    رسالة مختصرة تبين بعض فوائد صلح الحديبية.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/264193

    التحميل:

  • العالم العابد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم [ حياته وسيرته ومؤلفاته ]

    العالم العابد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم [ حياته وسيرته ومؤلفاته ] : رتبت هذه الرسالة على النحو الآتي: أولاً: عرض لمولده ونشأته. وثانيًا: رحلته في طلب العلم. وثالثًا: حياته العلمية. ورابعًا: حياته العملية وعرض لمؤلفاته مع مقتطفات للتعريف بها. وخامسًا: سجاياه وصفاته وعبادته. وسادسًا: محبة العلماء له. وسابعًا: فوائد من أقواله وكتبه. وثامنًا: وفاته ووصيته. وتاسعًا: ما قيل فيه شعرًا ونثرًا.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229632

    التحميل:

  • كمال الأمة في صلاح عقيدتها

    كمال الأمة في صلاح عقيدتها : شرح آية: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172271

    التحميل:

  • هذه مفاهيمنا

    هذه مفاهيمنا : رسالة رد فيها المصنف - حفظه الله تعالى - على كتاب مفاهيم ينبغي أن تصحح لمحمد بن علوي المالكي.

    الناشر: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض http://www.alifta.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/167485

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة