Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 258

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) (البقرة) mp3
هَذَاالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهُوَ مَلِك بَابِل نُمْرُود بْن كَنْعَان بْن كوش بْن سَام بْن نُوح وَيُقَال : نُمْرُود بْن فالخ بْن عَابِر بْن شالخ بْن أرفخشذ بْن سَام بْن نُوح وَالْأَوَّل قَوْل مُجَاهِد وَغَيْره : قَالَ مُجَاهِد : وَمَلَكَ الدُّنْيَا مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا أَرْبَعَة : مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَالْمُؤْمِنَانِ سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَذُو الْقَرْنَيْنِ وَالْكَافِرَانِ نُمْرُود وَبُخْتُنَصَّرَ وَاَللَّه أَعْلَم وَمَعْنَى قَوْله " أَلَمْ تَرَ " أَيْ بِقَلْبِك يَا مُحَمَّد " إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيم فِي رَبّه " أَيْ وُجُود رَبّه وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون إِلَه غَيْره كَمَا قَالَ بَعْده فِرْعَوْن لِمَلَئِهِ " مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي " وَمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الطُّغْيَان وَالْكُفْر الْغَلِيظ وَالْمُعَانَدَة الشَّدِيدَة إِلَّا تَجَبُّره وَطُول مُدَّته فِي الْمُلْك وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَال إِنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة فِي مُلْكه وَلِهَذَا قَالَ " أَنْ أَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ" وَكَانَ طَلَبَ مِنْ إِبْرَاهِيم دَلِيلًا عَلَى وُجُود الرَّبّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ فَقَالَ إِبْرَاهِيم " رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت" أَيْ إِنَّمَا الدَّلِيل عَلَى وُجُوده حُدُوث هَذِهِ الْأَشْيَاء الْمُشَاهَدَة بَعْد عَدَمهَا وَعَدَمهَا بَعْد وُجُودهَا وَهَذَا دَلِيل عَلَى وُجُود الْفَاعِل الْمُخْتَار ضَرُورَة لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُث بِنَفْسِهَا فَلَا بُدّ لَهَا مِنْ مُوجِد أَوْجَدَهَا وَهُوَ الرَّبّ الَّذِي أَدْعُو إِلَى عِبَادَته وَحْده لَا شَرِيك لَهُ . فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ الْمُحَاجّ وَهُوَ النُّمْرُود " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت " قَالَ قَتَادَة وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَالسُّدِّيّ وَغَيْر وَاحِد وَذَلِكَ أَنِّي أُوتَى بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ اِسْتَحَقَّا الْقَتْل فَآمُر بِقَتْلِ أَحَدهمَا فَيُقْتَل وَآمُر بِالْعَفْوِ عَنْ الْآخَر فَلَا يُقْتَل فَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالظَّاهِر وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ مَا أَرَادَ هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا لِمَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَلَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مَانِع لِوُجُودِ الصَّانِع وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَقَام عِنَادًا وَمُكَابَرَة وَيُوهِم أَنَّهُ الْفَاعِل لِذَلِكَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت كَمَا اِقْتَدَى بِهِ فِرْعَوْن فِي قَوْله " مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي " وَلِهَذَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم لَمَّا اِدَّعَى هَذِهِ الْمُكَابَرَة " فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب " أَيْ إِذَا كُنْت كَمَا تَدَّعِي مِنْ أَنَّك تُحْيِي وَتُمِيت فَاَلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّف فِي الْوُجُود فِي خَلْق ذَوَاته وَتَسْخِير كَوَاكِبه وَحَرَكَاته فَهَذِهِ الشَّمْس تَبْدُو كُلّ يَوْم مِنْ الْمَشْرِق فَإِنْ كُنْت إِلَهًا كَمَا اِدَّعَيْت تُحْيِي وَتُمِيت فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب ؟ فَلَمَّا عَلِمَ عَجْزه وَانْقِطَاعه وَأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى الْمُكَابَرَة فِي هَذَا الْمَقَام بُهِتَ أَيْ أُخْرِسَ فَلَا يَتَكَلَّم وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّة قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يُلْهِمهُمْ حُجَّة وَلَا بُرْهَانًا بَلْ حُجَّتهمْ دَاحِضَة عِنْد رَبّهمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَهَذَا التَّنْزِيل عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَن مِمَّا ذَكَرَهُ كَثِير مِنْ الْمَنْطِقِيِّينَ أَنَّ عُدُول إِبْرَاهِيم عَنْ الْمَقَام الْأَوَّل إِلَى الْمَقَام الثَّانِي اِنْتِقَال مِنْ دَلِيل إِلَى أَوْضَح مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ يُطْلِق عِبَارَة تُرْدِيه وَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ الْمَقَام الْأَوَّل يَكُون كَالْمُقَدِّمَةِ لِلثَّانِي وَيُبَيِّن بُطْلَان مَا اِدَّعَاهُ نُمْرُود فِي الْأَوَّل وَالثَّانِي وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَة كَانَتْ بَيْن إِبْرَاهِيم وَنُمْرُود بَعْد خُرُوج إِبْرَاهِيم مِنْ النَّار وَلَمْ يَكُنْ اِجْتَمَعَ بِالْمَلِكِ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْم فَجَرَتْ بَيْنهمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ النُّمْرُود كَانَ عِنْده طَعَام وَكَانَ النَّاس يَغْدُونَ إِلَيْهِ لِلْمِيرَةِ فَوَفَدَ إِبْرَاهِيمُ فِي جُمْلَة مَنْ وَفَدَ لِلْمِيرَةِ فَكَانَ بَيْنهمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَلَمْ يُعْطِ إِبْرَاهِيم مِنْ الطَّعَام كَمَا أَعْطَى النَّاس بَلْ خَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْء مِنْ الطَّعَام فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْله عَمَدَ إِلَى كَثِيب مِنْ التُّرَاب فَمَلَأَ مِنْهُ عِدْلَيْهِ وَقَالَ أَشْغَل أَهْلِي عَنِّي إِذَا قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ وَضَعَ رِحَاله وَجَاءَ فَاتَّكَأَ فَنَامَ فَقَامَتْ اِمْرَأَته سَارَة إِلَى الْعِدْلَيْنِ فَوَجَدَتْهُمَا مَلْآنَيْنِ طَعَامًا طَيِّبًا فَعَمِلَتْ طَعَامًا فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيم وَجَدَ الَّذِي قَدْ أَصْلَحُوهُ فَقَالَ : أَنَّى لَكُمْ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنْ الَّذِي جِئْت بِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ رِزْقٌ رَزَقَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : وَبَعَثَ اللَّه إِلَى ذَلِكَ الْمَلِك الْجَبَّار مَلِكًا يَأْمُرهُ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ فَأَبَى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَة فَأَبَى ثُمَّ الثَّالِثَة فَأَبَى وَقَالَ : اِجْمَعْ جُمُوعك وَأَجْمَع جُمُوعِي فَجَمَعَ النُّمْرُود جَيْشه وَجُنُوده وَقْت طُلُوع الشَّمْس وَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ الْبَعُوض بِحَيْثُ لَمْ يَرَوْا عَيْن الشَّمْس وَسَلَّطَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ فَأَكَلَتْ لُحُومهمْ وَدِمَاءَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ عِظَامًا بَادِيَة وَدَخَلَتْ وَاحِدَة مِنْهَا فِي مَنْخِرَيْ الْمَلِك فَمَكَثَتْ فِي مَنْخِرَيْ الْمَلِك أَرْبَعمِائَةِ سَنَة عَذَّبَهُ اللَّه بِهَا فَكَانَ يَضْرِب بِرَأْسِهِ بِالْمَرَازِبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّة حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّه بِهَا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • دروس في شرح نواقض الإسلام

    اعلم أيها المسلم أن الله - سبحانه وتعالى - أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام والتمسك به والحذر مما يخالفه، وبعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - للدعوة إلى ذلك، وأخبر - عز وجل - أن من اتبعه فقد اهتدى، ومن أعرض عنه فقد ضل، وحذر في آيات كثيرات من أسباب الردة، وسائر أنواع الشرك والكفر، وذكر العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجا من الإسلام، وقد قام فضيلة الشيخ الفوزان - حفظه الله - بشرح رسالة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والتي بين فيها بعض هذه النواقض.

    الناشر: مكتبة الرشد بالمملكة العربية السعودية

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314803

    التحميل:

  • كلمات في المحبة والخوف والرجاء

    العبادة تقوم على أركان ثلاثة، هي المحبة، والخوف، والرجاء، وفي هذه الرسالة بيان لهذه الأركان.

    الناشر: موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net - موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/172690

    التحميل:

  • هل كان محمد صلى الله عليه وسلم رحيمًا؟

    بحثٌ مُقدَّم في مسابقة مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة، وقد قسمه الباحث إلى أربعة فصول، وهي: - الفصل الأول: مدخل. - الفصل الثاني: مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة. - الفصل الثالث: تعريف بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. - الفصل الرابع: مظاهر الرحمة للبشر في شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد البعثة. وقد جعل الفصول الثلاثة الأولى بمثابة التقدمة للفصل الأخير، ولم يجعل بحثه بأسلوب سردي؛ بل كان قائمًا على الأسلوب الحواري، لما فيه من جذب القراء، وهو أيسر في الفهم، وفيه أيضًا معرفة طريقة الحوار مع غير المسلمين لإيصال الأفكار الإسلامية الصحيحة ودفع الأفكار الأخرى المُشوَّهة عن أذهانهم.

    الناشر: موقع البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة http://www.mercyprophet.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/322896

    التحميل:

  • تذكير البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر

    تضمنت هذه الرسالة بيان كفر الساحر ووجوب قتله كما تضمنت الدلالة والإرشاد إلى العلاج المباح للسحر بالرقية والأدعية والأدوية المباحة، وتحريم علاج السحر بسحر مثله لأنه من عمل الشيطان.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209173

    التحميل:

  • السعادة بين الوهم والحقيقة

    السعادة بين الوهم والحقيقة: كثيرٌ هم الذين يسعون لتحصيل السعادة، فيُنفِقون من أوقاتهم وأموالهم وجهودهم للحصول عليها، ولكن قد ينالُها بعضُهم ويعجز عن ذلك الكثير؛ وما ذلك إلا لوجود سعادة حقيقية وسعادة وهمية. حول هذا الموضوع يأتي هذا الكتاب ليُناقِش هذه القضية بشيءٍ من الإيجاز.

    الناشر: موقع المسلم http://www.almoslim.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/337280

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة