Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 196

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) (البقرة) mp3
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَحْكَام الصِّيَام وَعَطَفَ بِذِكْرِ الْجِهَاد شَرَعَ فِي بَيَان الْمَنَاسِك فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَظَاهِر السِّيَاق إِكْمَال أَفْعَالهمَا بَعْد الشُّرُوع فِيهِمَا . وَلِهَذَا قَالَ بَعْده فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيْ صُدِدْتُمْ عَنْ الْوُصُول إِلَى الْبَيْت وَمُنِعْتُمْ مِنْ إِتْمَامهمَا وَلِهَذَا اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الشُّرُوع فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة مُلْزِمٌ سَوَاء قِيلَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَة أَوْ بِاسْتِحْبَابِهَا كَمَا هُمَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا بِدَلَائِلِهِمَا فِي كِتَابنَا الْأَحْكَام مُسْتَقْصًى وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة . وَقَالَ شُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ" قَالَ : أَنْ تُحْرِم مِنْ دُوَيْرَة أَهْلك . وَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَطَاوُس وَعَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : إِتْمَامهمَا أَنْ تُحْرِم مِنْ أَهْلك لَا تُرِيد إِلَّا الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَتُهِلّ مِنْ الْمِيقَات لَيْسَ أَنْ تَخْرُج لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ حَتَّى إِذَا كُنْت قَرِيبًا مِنْ مَكَّة قُلْت لَوْ حَجَجْت أَوْ اِعْتَمَرْت وَذَلِكَ يُجْزِئُ وَلَكِنَّ التَّمَام أَنْ تَخْرُج لَهُ وَلَا تَخْرُج لِغَيْرِهِ. وَقَالَ مَكْحُول : إِتْمَامهمَا إِنْشَاؤُهُمَا جَمِيعًا مِنْ الْمِيقَات. وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَر قَالَ فِي قَوْل اللَّه " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ " مِنْ تَمَامهمَا أَنْ تُفْرِد كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ الْآخَر وَأَنْ تَعْتَمِر فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول " الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات " . وَقَالَ هِشَام عَنْ اِبْن عَوْن : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يَقُول إِنَّ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَيْسَتْ بِتَمَامِهِ فَقِيلَ لَهُ فَالْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم ؟ قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَهَا تَامَّة . وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَة بْن دِعَامَة رَحِمَهُمَا اللَّه وَهَذَا الْقَوْل فِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اِعْتَمَرَ أَرْبَع عُمَر كُلّهَا فِي ذِي الْقَعْدَة عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة سِتّ وَعُمْرَة الْقَضَاء فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة سَبْع وَعُمْرَة الْجِعْرَانَة فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة ثَمَان وَعُمْرَته الَّتِي مَعَ حَجَّته أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة عَشْر وَمَا اِعْتَمَرَ فِي غَيْر ذَلِكَ بَعْد هِجْرَته وَلَكِنْ قَالَ لِأُمِّ هَانِئ " عُمْرَة فِي رَمَضَان تَعْدِل حَجَّة مَعِي " وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهَا قَدْ عَزَمَتْ عَلَى الْحَجّ مَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَاعْتَاقَتْ عَنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ الطُّهْر كَمَا هُوَ مَبْسُوط فِي الْحَدِيث عِنْد الْبُخَارِيّ وَنَصَّ سَعِيد بْن جُبَيْر عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصهَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ " أَيْ أَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ" يَقُول مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ حَتَّى يُتِمَّهُمَا تَمَام الْحَجّ يَوْم النَّحْر إِذَا رَمَى جَمْرَة الْعَقَبَة وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَدْ حَلَّ . وَقَالَ قَتَادَة عَنْ زُرَارَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْحَجّ عَرَفَة وَالْعُمْرَة الطَّوَاف . وَكَذَا رَوَى الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة فِي قَوْله " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ " قَالَ هِيَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَى الْبَيْت لَا يُجَاوِز بِالْعُمْرَةِ الْبَيْت . قَالَ إِبْرَاهِيم : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر فَقَالَ : كَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة أَنَّهُ قَالَ : وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَى الْبَيْت . وَكَذَا رَوَى الثَّوْرِيّ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَرَأَ : وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَى الْبَيْت . وَقَرَأَ الشَّعْبِيّ " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ " بِرَفْعِ الْعُمْرَة وَقَالَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ . وَرُوِيَ عَنْهُ خِلَاف ذَلِكَ . وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة مِنْ طُرُق مُتَعَدِّدَة عَنْ أَنَس وَجَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ فِي إِحْرَامه بِحَجٍّ وَعُمْرَة . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَلْيُهْلِلْ بِحَجٍّ وَعُمْرَة " . وَقَالَ فِي الصَّحِيح أَيْضًا " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " . وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي حَاتِم فِي سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة حَدِيثًا غَرِيبًا فَقَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْهَرَوِيّ حَدَّثَنَا غَسَّان الْهَرَوِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن طَهْمَان عَنْ عَطَاء عَنْ صَفْوَان بْن أُمَيَّة أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَضَمِّخ بِالزَّعْفَرَانِ عَلَيْهِ جُبَّة فَقَالَ : كَيْف تَأْمُرُنِى يَا رَسُول اللَّه فِي عُمْرَتِي ؟ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّه " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ" فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَيْنَ السَّائِل عَنْ الْعُمْرَة " فَقَالَ هَا أَنَا ذَا . فَقَالَ لَهُ " أَلْقِ عَنْك ثِيَابك ثُمَّ اِغْتَسِلْ اِسْتَنْشِقْ مَا اِسْتَطَعْت ثُمَّ مَا كُنْت صَانِعًا فِي حَجّك فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتك " هَذَا حَدِيث غَرِيب وَسِيَاق عَجِيب وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي سَأَلَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ فَقَالَ كَيْف تَرَى فِي رَجُل أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّة وَخَلُوق فَسَكَتَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَاءَهُ الْوَحْي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَقَالَ : " أَيْنَ السَّائِل ؟ " فَقَالَ : هَا أَنَا ذَا فَقَالَ " أَمَّا الْجُبَّة فَانْزِعْهَا وَأَمَّا الطِّيب الَّذِي بِك فَاغْسِلْهُ ثُمَّ مَا كُنْت صَانِعًا فِي حَجّك فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتك " وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ الْغُسْل وَالِاسْتِنْشَاق وَلَا ذَكَرَ نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَهُوَ عَنْ يَعْلَى بْن أُمَيَّة لَا صَفْوَان بْن أُمَيَّة فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ذَكَرُوا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَنَة سِتّ أَيْ عَام الْحُدَيْبِيَة حِين حَال الْمُشْرِكُونَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْوُصُول إِلَى الْبَيْت وَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ سُورَة الْفَتْح بِكَمَالِهَا وَأَنْزَلَ لَهُمْ رُخْصَة أَنْ يَذْبَحُوا مَا مَعَهُمْ مِنْ الْهَدْي وَكَانَ سَبْعِينَ بَدَنَة وَأَنْ يَحْلِقُوا رُءُوسهمْ وَأَنْ يَتَحَلَّلُوا مِنْ إِحْرَامهمْ فَعِنْد ذَلِكَ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَام بِأَنْ يَحْلِقُوا رُءُوسهمْ وَأَنْ يَتَحَلَّلُوا فَلَمْ يَفْعَلُوا اِنْتِظَارًا لِلنَّسْخِ حَتَّى خَرَجَ فَحَلَقَ رَأْسه فَفَعَلَ النَّاس وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَّرَ رَأْسه وَلَمْ يَحْلِقهُ فَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَحِمَ اللَّه الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا : وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : فِي الثَّالِثَة " وَالْمُقَصِّرِينَ " وَقَدْ كَانُوا اِشْتَرَكُوا فِي هَدْيهمْ ذَلِكَ كُلّ سَبْعَة فِي بَدَنَة وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعمِائَةِ وَكَانَ مَنْزِلهمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ خَارِج الْحَرَم وَقِيلَ بَلْ كَانُوا عَلَى طَرَف الْحَرَم فَاَللَّه أَعْلَم . وَلِهَذَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء هَلْ يَخْتَصّ الْحَصْر بِالْعَدُوِّ فَلَا يَتَحَلَّل إِلَّا مَنْ حَصَرَهُ عَدُوّ لَا مَرَض وَلَا غَيْره عَلَى قَوْلَيْنِ . فَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْمُقْرِي حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن أَبِي نَجِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : لَا حَصْر إِلَّا حَصْر الْعَدُوّ فَأَمَّا مَنْ أَصَابَهُ مَرَض أَوْ وَجَع أَوْ ضَلَال فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء إِنَّمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَلَيْسَ الْأَمْن حَصْرًا قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر وَطَاوُس وَالزُّهْرِيّ وَزَيْد بْن أَسْلَمَ نَحْو ذَلِكَ . وَالْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ الْحَصْر أَعَمّ مِنْ أَنْ يَكُون بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَض أَوْ ضَلَال وَهُوَ التَّوَهَان عَنْ الطَّرِيق أَوْ نَحْو ذَلِكَ . قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن الصَّوَافّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ عِكْرِمَة عَنْ الْحَجَّاج بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول " مَنْ كُسِرَ أَوْ وُجِعَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّة أُخْرَى " قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة فَقَالَا : صَدَقَ . وَأَخْرَجَهُ أَصْحَاب الْكُتُب الْأَرْبَعَة مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير بِهِ وَفِي رِوَايَة لِأَبِي دَاوُد وَابْن مَاجَهْ " مَنْ عَرِجَ أَوْ كُسِرَ أَوْ مَرِضَ " فَذَكَر مَعْنَاهُ. وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ الْحَسَن بْن عَرَفَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة عَنْ الْحَجَّاج بْن أَبِي عُثْمَان الصَّوَافّ بِهِ ثُمَّ قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن الزُّبَيْر وَعَلْقَمَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَمُقَاتِل بْن حَيَّان أَنَّهُمْ قَالُوا : الْإِحْصَار مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مَرَض أَوْ كَسْر وَقَالَ الثَّوْرِيّ : الْإِحْصَار مِنْ كُلّ شَيْء آذَاهُ . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر بْن عَبْد الْمُطَّلِب فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُرِيد الْحَجّ وَأَنَا شَاكِيَة فَقَالَ " حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي " وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ اِبْن عَبَّاس بِمِثْلِهِ فَذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى صِحَّة الِاشْتِرَاط فِي الْحَجّ لِهَذَا الْحَدِيث وَقَدْ عَلَّقَ الْإِمَام مُحَمَّد بْن إِدْرِيس الشَّافِعِيّ الْقَوْل بِصِحَّةِ هَذَا الْمَذْهَب عَلَى صِحَّة هَذَا الْحَدِيث قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْره مِنْ الْحُفَّاظ وَقَدْ صَحَّ وَلِلَّهِ الْحَمْد . وَقَوْله " فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي" قَالَ الْإِمَام مَالِك عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّهُ كَانَ يَقُول " فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " شَاة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس الْهَدْي مِنْ الْأَزْوَاج الثَّمَانِيَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْمَعْز وَالضَّأْن . وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ حَبِيب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " قَالَ شَاة . وَكَذَا قَالَ عَطَاء وَمُجَاهِد وَطَاوُس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن وَعَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم وَالشَّعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَغَيْرهمْ مِثْل ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة : وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ الْقَاسِم عَنْ عَائِشَة وَابْن عُمَر أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ مَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي إِلَّا مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر قَالَ وَرُوِيَ عَنْ سَالِم وَالْقَاسِم وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَسَعِيد بْن جُبَيْر نَحْو ذَلِكَ " قُلْت " وَالظَّاهِر أَنَّ مُسْتَنَد هَؤُلَاءِ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ قِصَّة الْحُدَيْبِيَة فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَد مِنْهُمْ أَنَّهُ ذَبَحَ فِي تَحَلُّله ذَلِكَ شَاة وَإِنَّمَا ذَبَحُوا الْإِبِل وَالْبَقَر فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِر قَالَ : أَمَرَنَا رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَشْتَرِك فِي الْإِبِل وَالْبَقَر كُلّ سَبْعَة مِنَّا فِي بَقَرَة وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " قَالَ بِقَدْرِ يَسَارَته وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَمِنْ الْإِبِل وَإِلَّا فَمِنْ الْبَقَر وَإِلَّا فَمِنْ الْغَنَم وَقَالَ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ " فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي" قَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا بَيْن الرُّخْص وَالْغَلَاء وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّة قَوْل الْجُمْهُور فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ إِجْزَاء ذَبْح الشَّاة فِي الْإِحْصَار أَنَّ اللَّه أَوْجَبَ ذَبْح مَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي أَيْ مَهْمَا تَيَسَّرَ مِمَّا يُسَمَّى هَدْيًا وَالْهَدْي مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام وَهِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم . كَمَا قَالَهُ الْحَبْر الْبَحْر تُرْجُمَان الْقُرْآن وَابْن عَمّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : أَهْدَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّة غَنَمًا. وَقَوْله " وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيَ مَحِلَّهُ " مَعْطُوف عَلَى قَوْله " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ " وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله " فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " كَمَا زَعَمَهُ اِبْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه لِأَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابه عَام الْحُدَيْبِيَة لَمَّا حَصَرَهُمْ كُفَّار قُرَيْش عَنْ الدُّخُول إِلَى الْحَرَم حَلَقُوا وَذَبَحُوا هَدْيهمْ خَارِج الْحَرَم فَأَمَّا فِي حَال الْأَمْن وَالْوُصُول إِلَى الْحَرَم فَلَا يَجُوز الْحَلْق" حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ " وَيَفْرُغ النَّاسِك مِنْ أَفْعَال الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مِنْ فِعْل أَحَدهمَا إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَفْصَة أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه مَا شَأْن النَّاس حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَة وَلَمْ تُحِلّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتك ؟ فَقَالَ : " إِنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أُحِلّ حَتَّى أَنْحَر " . وَقَوْله " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ " . قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا آدَم حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَصْبَهَانِيّ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل قَالَ : قَعَدْت إِلَى كَعْب بْن عُجْرَة فِي هَذَا الْمَسْجِد يَعْنِي مَسْجِد الْكُوفَة فَسَأَلْته عَنْ فِدْيَة مِنْ صِيَام فَقَالَ : حُمِلْت إِلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقَمْل يَتَنَاثَر عَلَى وَجْهِي فَقَالَ " مَا كُنْت أَرَى أَنَّ الْجَهْد قَدْ بَلَغَ بِك هَذَا أَمَا تَجِد شَاة " قُلْت : لَا . قَالَ : " صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع مِنْ طَعَام وَاحْلِقْ رَأْسك " فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّة وَهِيَ لَكُمْ عَامَّة . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَيُّوب عَنْ مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ : أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُوقِد تَحْت قَدْر وَالْقَمْل يَتَنَاثَر عَلَى وَجْهِي أَوْ قَالَ حَاجِبِي فَقَالَ " يُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسك ؟ " قُلْت نَعَمْ. قَالَ : " فَاحْلِقْهُ وَصُمْ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِين أَوْ اُنْسُكْ نَسِيكَة " قَالَ أَيُّوب : لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ . وَقَالَ أَحْمَد أَيْضًا : حَدَّثَنَا هِشَام حَدَّثَنَا أَبُو بِشْر عَنْ مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ وَقَدْ حَصَرَهُ الْمُشْرِكُونَ وَكَانَتْ لِي وَفْرَة فَجَعَلَتْ الْهَوَامّ تَسَاقَطَ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " أَيُؤْذِيك هَوَامّ رَأْسك " فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِق قَالَ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك . وَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَان عَنْ شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر وَهُوَ جَعْفَر بْن إِيَاس بِهِ وَعَنْ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى بِهِ وَعَنْ شُعْبَة عَنْ دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة نَحْوه وَرَوَاهُ الْإِمَام مَالِك عَنْ حُمَيْد بْن قَيْس عَنْ مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ سَعْد بْن إِسْحَاق بْن كَعْب بْن عُجْرَة عَنْ أَبَان بْن صَالِح عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْب بْن عُجْرَة يَقُول : فَذَبَحْت شَاة وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عُمَر بْن قَيْس وَهُوَ ضَعِيف عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " النُّسُك شَاة وَالصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَالطَّعَام فَرَق بَيْن سِتَّة " وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَعَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَالسُّدِّيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : أَخْبَرَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب أَنَّ مَالِك بْن أَنَس حَدَّثَهُ عَنْ عَبْد الْكَرِيم بْن مَالِك الْجَزَرِيّ عَنْ مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْب بْن عُجْرَة أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَذَاهُ الْقَمْل فِي رَأْسه فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِق رَأْسه وَقَالَ" صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام أَوْ أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِين مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَان أَوْ اُنْسُكْ شَاة أَيْ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَ عَنْك" وَهَكَذَا رَوَى اِبْن أَبِي سُلَيْم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله " فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك " قَالَ إِذَا كَانَ أَوْ فَأَيّها أَخَذْت أَجْزَأَ عَنْك . قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَحُمَيْد الْأَعْرَج وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَالضَّحَّاك نَحْو ذَلِكَ " قُلْت " وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء أَنَّهُ يُخَيَّر فِي هَذَا الْمَقَام إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِفَرَقٍ وَهُوَ ثَلَاثَة آصُع لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع وَهُوَ مُدَّانِ وَإِنْ شَاءَ ذَبَحَ شَاة وَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاء أَيّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَلَمَّا كَانَ لَفْظ الْقُرْآن فِي بَيَان الرُّخْصَة بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَل " فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك " وَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْب بْن عُجْرَة بِذَلِكَ أَرْشَدَهُ إِلَى الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل فَقَالَ : " اُنْسُكْ شَاة أَوْ أَطْعِمْ سِتَّة مَسَاكِين أَوْ صُمْ ثَلَاثَة أَيَّام " فَكُلٌّ حَسَنٌ فِي مَقَامه وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة . وَقَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش قَالَ : ذَكَرَ الْأَعْمَش قَالَ : سَأَلَ إِبْرَاهِيم سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ هَذِهِ الْآيَة" فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك " فَأَجَابَهُ بِقَوْلِ يَحْكُم عَلَيْهِ طَعَام فَإِنْ كَانَ عِنْده اِشْتَرَى شَاة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُوِّمَتْ الشَّاة دَرَاهِم وَجُعِلَ مَكَانهَا طَعَام فَتَصَدَّقَ وَإِلَّا صَامَ لِكُلِّ نِصْف صَاع يَوْمًا . قَالَ إِبْرَاهِيم كَذَلِكَ سَمِعْت عَلْقَمَة يَذْكُر قَالَ : لَمَّا قَالَ لِي سَعِيد بْن جُبَيْر مِنْ هَذَا مَا أَظْرَفه ؟ قَالَ : قُلْت هَذَا إِبْرَاهِيم فَقَالَ مَا أَظْرَفه كَانَ يُجَالِسنَا قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم قَالَ : فَلَمَّا قُلْت يُجَالِسنَا اِنْتَفَضَ مِنْهَا . وَقَالَ اِبْن جَرِير أَيْضًا : حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي عِمْرَان حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَشْعَث عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله" فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك " قَالَ : إِذَا كَانَ بِالْمُحْرِمِ أَذًى مِنْ رَأْسه حَلَقَ وَافْتَدَى بِأَيِّ هَذِهِ الثَّلَاثَة شَاءَ وَالصِّيَام عَشَرَة أَيَّام وَالصَّدَقَة عَلَى عَشَرَة مَسَاكِين كُلّ مِسْكِين مَكُّوكَيْنِ مَكُّوكًا مِنْ تَمْر وَمَكُّوكًا مِنْ بُرّ وَالنُّسُك شَاة . وَقَالَ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن وَعِكْرِمَة فِي قَوْله" فَفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك " قَالَ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مِنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَلْقَمَة وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة قَوْلَانِ غَرِيبَانِ فِيهِمَا نَظَر لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ السُّنَّة فِي حَدِيث كَعْب بْن عُجْرَة الصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام لَا سِتَّة أَوْ إِطْعَام سِتَّة مَسَاكِين أَوْ نُسُك شَاة وَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّخْيِير كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاق الْقُرْآن وَأَمَّا هَذَا التَّرْتِيب فَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف فِي قَتْل الصَّيْد كَمَا هُوَ نَصّ الْقُرْآن وَعَلَيْهِ أَجْمَع الْفُقَهَاء هُنَاكَ بِخِلَافِ هَذَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ هِشَام : أَخْبَرَنَا لَيْث عَنْ طَاوُس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا كَانَ مِنْ دَم أَوْ طَعَام فَبِمَكَّة وَمَا كَانَ مِنْ صِيَام فَحَيْثُ شَاءَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَعَطَاء وَالْحَسَن وَقَالَ هِشَام : أَخْبَرَنَا حَجَّاج وَعَبْد الْمَلِك وَغَيْرهمَا عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا كَانَ مِنْ دَم فَبِمَكَّة وَمَا كَانَ مِنْ طَعَام وَصِيَام فَحَيْثُ شَاءَ . وَقَالَ هُشَيْم : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ يَعْقُوب بْن خَالِد أَخْبَرَنَا أَبُو أَسْمَاء مَوْلَى اِبْن جَعْفَر قَالَ : حَجَّ عُثْمَان بْن عَفَّان وَمَعَهُ عَلِيّ وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ فَارْتَحَلَ عُثْمَان. قَالَ أَبُو أَسْمَاء : وَكُنْت مَعَ اِبْن جَعْفَر فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ نَائِم وَنَاقَته عِنْد رَأْسه قَالَ : فَقُلْت أَيّهَا النَّائِم ! فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَ فَحَمَلَهُ اِبْن جَعْفَر حَتَّى أَتَيْنَا بِهِ السُّقْيَا قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيّ وَمَعَهُ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْس قَالَ : فَمَرَّضْنَاهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَة قَالَ : قَالَ عَلِيّ لِلْحُسَيْنِ مَا الَّذِي تَجِد ؟ قَالَ : فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَأْسه قَالَ : فَأَمَرَ بِهِ عَلِيّ فَحُلِقَ رَأْسه ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَةِ فَنَحَرَهَا فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ النَّاقَة عَنْ الْحَلْق فَفِيهِ أَنَّهُ نَحَرَهَا دُون مَكَّة . وَإِنْ كَانَتْ عَنْ التَّحَلُّل فَوَاضِحٌ . وَقَوْله " فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " أَيْ فَإِذَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ أَدَاء الْمَنَاسِك فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ وَهُوَ يَشْمَل مَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَهَذَا هُوَ التَّمَتُّع الْخَاصّ وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْفُقَهَاء وَالتَّمَتُّع الْعَامّ يَشْمَل الْقِسْمَيْنِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيث الصِّحَاح فَإِنَّ مِنْ الرُّوَاة مَنْ يَقُول : تَمَتَّعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآخَر يَقُول : قَرَنَ وَلَا خِلَاف أَنَّهُ سَاقَ هَدْيًا وَقَالَ تَعَالَى " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي " أَيْ فَلْيَذْبَحْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْهَدْي وَأَقَلّه شَاة وَلَهُ أَنْ يَذْبَح الْبَقَر لِأَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَر وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ الْبَقَر عَنْ نِسَائِهِ وَكُنَّ مُتَمَتِّعَات رَوَاهُ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى مَشْرُوعِيَّة التَّمَتُّع كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْن قَالَ : نَزَلَتْ آيَة الْمُتْعَة فِي كِتَاب اللَّه وَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يَنْزِل قُرْآن يُحَرِّمهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ رَجُل بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ . قَالَ الْبُخَارِيّ : يُقَال إِنَّهُ عُمَر وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبُخَارِيّ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ أَنَّ عُمَر كَانَ يَنْهَى النَّاس عَنْ التَّمَتُّع وَيَقُول إِنْ نَأْخُذ بِكِتَابِ اللَّه فَإِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالتَّمَامِ يَعْنِي قَوْله " وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ " وَفِي نَفْس الْأَمْر لَمْ يَكُنْ عُمَر - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - يَنْهَى عَنْهَا مُحَرِّمًا لَهَا إِنَّمَا كَانَ يَنْهَى عَنْهَا لِيَكْثُر قَصْد النَّاس لِلْبَيْتِ حَاجِّينَ وَمُعْتَمِرِينَ كَمَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَقَوْله " فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة " يَقُول تَعَالَى : فَمَنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ أَيْ فِي أَيَّام الْمَنَاسِك . قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْأَوْلَى أَنْ يَصُومهَا قَبْل يَوْم عَرَفَة فِي الْعَشْر قَالَهُ عَطَاء أَوْ مِنْ حِين يُحْرِم قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره لِقَوْلِهِ فِي الْحَجّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّز صِيَامهَا مِنْ أَوَّل شَوَّال قَالَهُ طَاوُس وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد وَجَوَّزَ الشَّعْبِيّ صِيَام يَوْم عَرَفَة وَقَبْله يَوْمَيْنِ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالسُّدِّيّ وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحَكَم وَالْحَسَن وَحَمَّاد وَإِبْرَاهِيم أَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَالرَّبِيع وَمُقَاتِل بْن حَيَّان . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِذَا لَمْ يَجِد هَدْيًا فَعَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ قَبْل يَوْم عَرَفَة فَإِذَا كَانَ يَوْم عَرَفَة الثَّالِث فَقَدْ تَمَّ صَوْمه وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْله وَكَذَا رَوَى اِبْن إِسْحَاق عَنْ وَبَرَة عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : يَصُوم يَوْمًا قَبْل يَوْم التَّرْوِيَة وَيَوْم التَّرْوِيَة وَيَوْم عَرَفَة وَكَذَا رَوَى جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ أَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَصُمْهَا أَوْ بَعْضهَا قَبْل الْعِيد فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَصُومهَا فِي أَيَّام التَّشْرِيق ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيّ أَيْضًا الْقَدِيم مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوز لَهُ صِيَامهَا لِقَوْلِ عَائِشَة وَابْن عُمَر فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ لَمْ يُرَخِّص فِي أَيَّام التَّشْرِيق أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَا يَجِد الْهَدْي هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة وَعَنْ سَالِم عَنْ اِبْن عُمَر وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْهُمَا . وَرَوَاهُ سُفْيَان عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَنْ فَاتَهُ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ صَامَهُنَّ أَيَّام التَّشْرِيق وَبِهَذَا يَقُول عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْله" فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ " وَالْجَدِيد مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوز صِيَامهَا أَيَّام التَّشْرِيق لِمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ نُبَيْشَة الْهُذَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَقَوْله " وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ " فِيهِ قَوْلَانِ : " أَحَدهمَا " إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى رِحَالكُمْ . وَلِهَذَا قَالَ مُجَاهِد هِيَ رُخْصَة إِذَا شَاءَ صَامَهَا فِي الطَّرِيق وَكَذَا قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْقَوْل" الثَّانِي " إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَوْطَانكُمْ . قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَالِم سَمِعْت اِبْن عُمَر قَالَ : " فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ " قَالَ : إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْله . وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبِي الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالزُّهْرِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَحَكَى عَلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير الْإِجْمَاعَ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْر حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه أَنَّ اِبْن عُمَر قَالَ : تَمَتَّعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّة الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْي مِنْ ذِي الْحُلَيْفَة فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاس مَعَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَدَأَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْي وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّة قَالَ لِلنَّاسِ : " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يُحِلّ لِشَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِي حَجّه وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لْيُهِلّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْله ". وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث قَالَ الزُّهْرِيّ : وَأَخْبَرَنِي عُرْوَة عَنْ عَائِشَة بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَنِي سَالِم عَنْ أَبِيهِ وَالْحَدِيث مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ بِهِ وَقَوْله" تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة " قِيلَ : تَأْكِيد كَمَا تَقُول الْعَرَب رَأَيْت بِعَيْنَيَّ وَسَمِعْت بِأُذُنَيَّ وَكَتَبْت بِيَدَيَّ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَا طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ " وَقَالَ " وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك " وَقَالَ " وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة" وَقِيلَ مَعْنَى كَامِلَة الْأَمْر بِإِكْمَالِهَا وَإِتْمَامهَا . اِخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَقِيلَ مَعْنَى كَامِلَة أَيْ مُجْزِئَةٌ عَنْ الْهَدْي قَالَ هِشَام عَنْ عَبَّاد بْن رَاشِد عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله " تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَة " قَالَ : مِنْ الْهَدْي . وَقَوْله" ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ اِبْن جَرِير : وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَي بِقَوْلِهِ" لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام " بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ أَهْل الْحَرَم مَعْنِيُّونَ بِهِ وَأَنَّهُ لَا مُتْعَة لَهُمْ فَقَالَ بَعْضهمْ عَنَي بِذَلِكَ أَهْل الْحَرَم خَاصَّة دُون غَيْرهمْ . حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَنَا سُفْيَان هُوَ الثَّوْرِيّ قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُمْ أَهْل الْحَرَم وَكَذَا رَوَى اِبْن الْمُبَارَك عَنْ الثَّوْرِيّ وَزَادَ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول : يَا أَهْل مَكَّة لَا مُتْعَة لَكُمْ أُحِلَّتْ لِأَهْلِ الْآفَاق وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا يَقْطَع أَحَدكُمْ وَادِيًا أَوْ قَالَ يَجْعَل بَيْنه وَبَيْن الْحَرَم وَادِيًا ثُمَّ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ قَالَ : الْمُتْعَة لِلنَّاسِ لَا لِأَهْلِ مَكَّة مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله مِنْ الْحَرَم . وَكَذَا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ : وَبَلَغَنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْل قَوْل طَاوُس . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ أَهْل الْحَرَم وَمَنْ بَيْنه وَبَيْن الْمَوَاقِيت كَمَا قَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ عَطَاء قَالَ : مَنْ كَانَ أَهْله دُون الْمَوَاقِيت فَهُوَ كَأَهْلِ مَكَّة لَا يَتَمَتَّع وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد عَنْ جَابِر عَنْ مَكْحُول فِي قَوْله " ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ : مَنْ كَانَ دُون الْمِيقَات . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عَطَاء : ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْله حَاضِرِي الْمَسْجِد الْحَرَام . قَالَ : عَرَفَة وَمُزْدَلِفَة وَعُرَنَة وَالرَّجِيع . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : حَدَّثَنَا مَعْمَر سَمِعْت الزُّهْرِيّ يَقُول : مَنْ كَانَ أَهْله عَلَى يَوْم أَوْ نَحْوه تَمَتَّعَ . وَفِي رِوَايَة عَنْهُ الْيَوْم وَالْيَوْمَيْنِ . وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير فِي ذَلِكَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُمْ أَهْل الْحَرَم وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَة لَا يَقْصُر فِيهَا الصَّلَاة لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ يُعَدّ حَاضِرًا لَا مُسَافِرًا وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَاتَّقُوا اللَّه " أَيْ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب " أَيْ لِمَنْ خَالَفَ أَمْره وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الميسر في علم التجويد

    الهدف المرجو من تأليف هذا الكتاب هو تيسير تعليم أحكام التجويد وتعلمها، وذلك بالاستناد إلى مصادر علم التجويد الأولى، والاستفادة مما توصل إليه علم الأصوات اللغوية من حقائق تتعلق بطبيعة الصوت اللغوي وكيفية إنتاجه وتنوعه. وقد حرص المؤلف فيه على ذكر الموضوعات الأساسية لعلم التجويد، على نحو ترتيبها في المقدمة الجزرية، وتميز الكتاب بإلحاق خلاصة لكل مبحث تضع أمام الدارس أهم النقاط فيه، وأسئلة نظرية تساعده في تثبيت الحقائق في ذهنه، وتطبيق عملي يُنَمِّي قدرة المتعلم على التلاوة الصحيحة.

    الناشر: معهد الإمام الشاطبي http://www.shatiby.edu.sa

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/385697

    التحميل:

  • مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة

    مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة: هذا الكتاب يعرض عقيدة السلف وقواعدها، بعبارة موجزة وأسلوب واضح، مع التزام الألفاظ الشرعية المأثورة عن الأئمة قدر الإمكان.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/205065

    التحميل:

  • جهود المملكة العربية السعودية في رعاية تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين في الخارج

    كتيب يبين جهود المملكة العربية السعودية في رعاية تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين في الخارج.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/110920

    التحميل:

  • من مشاهد القيامة وأهوالها وما يلقاه الإنسان بعد موته

    في هذه الرسالة التحذير من الافتتان والاغترار بالدنيا الفانية والإعراض عن الآخرة الباقية، ثم ذكر بعض أهوال يوم القيامة، ثم ذكر وصف جنات النعيم وأهلها، ثم ذكر أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209203

    التحميل:

  • غزوة فتح مكة في ضوء الكتاب والسنة

    غزوة فتح مكة في ضوء الكتاب والسنة: قال المُراجع - حفظه الله -: «فهذه رسالة في «غزوة فتح مكة» كتبها الابن: عبد الرحمن بن سعيد بن علي بن وهف القحطاني - رحمه الله تعالى -، وهي رسالة نافعة جداً، بيَّن فيها - رحمه الله تعالى -: الأسباب التي دعت إلى غزوة الفتح، وتاريخ غزوة فتح مكة، وعدد الجيش النبوي، وذكر قصة قدوم أبي سفيان إلى المدينة للمفاوضات مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبيّن إعداد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لغزوة الفتح، وتجهيز الجيش لذلك، وأوضح ما حصل من محاولة نقل خبر الغزو من قبل الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه -، وحكمة النبي الكريم أمام هذا التصرف، ثم بيّن توزيع النبي - صلى الله عليه وسلم - للجيش، وعمل لذلك جدولاً منظمًا، بيّن فيه أسماء قبائل كل كتيبة، وعدد أفرادها، وعدد الألوية، وأسماء من يحملها، ثم ذكر صفة زحف الجيش، وما حصل من إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الغزوة في رمضان عندما قرب من مكة، وأمره أصحابه بذلك، ليتقووا على الجهاد، وذكر - رحمه الله - خروج أبي سفيان للاستطلاع، ثم إسلامه، والعرض العسكري الذي عمله النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام أبي سفيان، ثم بيّن الترتيبات التي عملها النبي - صلى الله عليه وسلم - لدخول مكة، وما حصل من بعض المشابكات مع خالد بن الوليد، ثم نجاحه - رضي الله عنه - في ذلك، وذكر - رحمه الله - صفة دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد الحرام، وتحطيمه للأصنام، وإهداره - صلى الله عليه وسلم - لدماء فئة قليلة من الناس قد آذوا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والمؤمنين، ومع ذلك عفا عن بعض هؤلاء - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذكر - رحمه الله - الآثار الاستراتيجية للفتح، والدروس المستفادة من الفتح، ومقومات الانتصار في الفتح، ثم ذكر الخاتمة، ثم التوصيات، ثم قائمة المراجع التي رجع إليها - رحمه الله -».

    المدقق/المراجع: سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/270102

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة