Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة النحل - الآية 106

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) (النحل) mp3
أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ بَعْد الْإِيمَان وَالتَّبَصُّر وَشَرَحَ صَدْره بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَّ بِهِ أَنَّهُ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِ لِعِلْمِهِمْ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ عُدُولهمْ عَنْهُ وَأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا عَظِيمًا فِي الدَّار الْآخِرَة وَأَمَّا قَوْله " إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ " فَهُوَ اِسْتِثْنَاء مِمَّنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ وَوَافَقَ الْمُشْرِكِينَ بِلَفْظِهِ مُكْرَهًا لِمَا نَالَهُ مِنْ ضَرْب وَأَذًى وَقَلْبه يَأْبَى مَا يَقُول وَهُوَ مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدْ رَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي عَمَّار بْن يَاسِر حِين عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى يَكْفُر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُكْرَهًا وَجَاءَ مُعْتَذِرًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة وَهَكَذَا قَالَ الشَّعْبِيّ وَقَتَادَة وَأَبُو مَالِك وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَة مُحَمَّد بْن عَمَّار بْن يَاسِر قَالَ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّار بْن يَاسِر فَعَذَّبُوهُ حَتَّى قَارَبَهُمْ فِي بَعْض مَا أَرَادُوا فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَيْف تَجِد قَلْبك ؟ " قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنْ عَادُوا فَعُدْ " . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِأَبْسَط مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ سَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتهمْ بِخَيْرٍ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه مَا تُرِكْت حَتَّى سَبَبْتُك وَذَكَرْت آلِهَتهمْ بِخَيْرٍ قَالَ" كَيْف تَجِد قَلْبك ؟ " قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ " إِنْ عَادُوا فَعُدْ " وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّه " إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبه مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ " وَلِهَذَا اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْمُكْرَه عَلَى الْكُفْر يَجُوز لَهُ أَنْ يُوَالِي إِبْقَاء لِمُهْجَتِهِ وَيَجُوز لَهُ أَنْ يَأْبَى كَمَا كَانَ بِلَال رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَأْبَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَهُمْ يَفْعَلُونَ بِهِ الْأَفَاعِيل حَتَّى أَنَّهُمْ لَيَضَعُوا الصَّخْرَة الْعَظِيمَة عَلَى صَدْره فِي شِدَّة الْحَرّ وَيَأْمُرُونَهُ بِالشِّرْكِ بِاَللَّهِ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُول : أَحَد أَحَد وَيَقُول : وَاَللَّه لَوْ أَعْلَم كَلِمَة هِيَ أَغْيَظ لَكُمْ مِنْهَا لَقُلْتهَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَرْضَاهُ. وَكَذَلِكَ حَبِيب بْن زَيْد الْأَنْصَارِيّ لَمَّا قَالَ لَهُ مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَيَقُول : أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُول اللَّه ؟ فَيَقُول لَا أَسْمَع فَلَمْ يَزَلْ يَقْطَعهُ إِرْبًا إِرْبًا وَهُوَ ثَابِت عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَرَقَ نَاسًا اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام فَبَلَغَ ذَلِكَ اِبْن عَبَّاس فَقَالَ لَمْ أَكُنْ لِأُحَرِّقهُمْ بِالنَّارِ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّه " وَكُنْت أُقَاتِلهُمْ بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ بَدَّلَ دِينه فَاقْتُلُوهُ " فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ وَيْح أُمّ اِبْن عَبَّاس . رَوَاهُ الْبُخَارِيّ. وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ أَيُّوب عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال الْعَدَوِيّ عَنْ أَبِي بُرْدَة قَالَ : قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى مُعَاذ بْن جَبَل بِالْيَمَنِ فَإِذَا رَجُل عِنْده قَالَ مَا هَذَا ؟ قَالَ رَجُل كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ وَنَحْنُ نُرِيدهُ عَلَى الْإِسْلَام مُنْذُ قَالَ أَحْسَبهُ شَهْرَيْنِ فَقَالَ وَاَللَّه لَا أَقْعُد حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقه فَضُرِبَتْ عُنُقه فَقَالَ قَضَى اللَّه وَرَسُوله أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينه فَاقْتُلُوهُ أَوْ قَالَ " مَنْ بَدَّلَ دِينه فَاقْتُلُوهُ " . وَهَذِهِ الْقِصَّة فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظٍ آخَر . وَالْأَفْضَل وَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُت الْمُسْلِم عَلَى دِينه وَلَوْ أَفْضَى إِلَى قَتْله كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة السَّهْمِيّ أَحَد الصَّحَابَة أَنَّهُ أَسَرَتْهُ الرُّوم فَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَلِكهمْ فَقَالَ لَهُ تَنَصَّرْ وَأَنَا أُشْرِكك فِي مُلْكِي وَأُزَوِّجك اِبْنَتِي فَقَالَ لَهُ لَوْ أَعْطَيْتنِي جَمِيع مَا تَمْلِك وَجَمِيع مَا تَمْلِكهُ الْعَرَب عَلَى أَنْ أَرْجِع عَنْ دِين مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرْفَة عَيْن مَا فَعَلْت فَقَالَ إِذًا أَقْتُلك فَقَالَ أَنْتَ وَذَاكَ قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ وَأَمَرَ الرُّمَاة فَرَمَوْهُ قَرِيبًا مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَهُوَ يَعْرِض عَلَيْهِ دِين النَّصْرَانِيَّة فَيَأْبَى ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُنْزِلَ ثُمَّ أَمَرَ بِقِدْرٍ وَفِي رِوَايَة بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاس فَأُحْمِيَتْ وَجَاءَ بِأَسِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَلْقَاهُ وَهُوَ يَنْظُر فَإِذَا هُوَ عِظَام تَلُوح وَعَرَضَ عَلَيْهِ فَأَبَى فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُلْقَى فِيهَا فَرُفِعَ فِي الْبَكَرَة لِيُلْقَى فِيهَا فَبَكَى فَطَمِعَ فِيهِ وَدَعَاهُ فَقَالَ إِنِّي إِنَّمَا بَكَيْت لِأَنَّ نَفْسِي إِنَّمَا هِيَ نَفْس وَاحِدَة تُلْقَى فِي هَذِهِ الْقِدْر السَّاعَة فِي اللَّه فَأَحْبَبْت أَنْ يَكُون لِي بِعَدَدِ كُلّ شَعْرَة فِي جَسَدِي نَفْس تُعَذَّب هَذَا الْعَذَاب فِي اللَّه . وَفِي بَعْض الرِّوَايَات أَنَّهُ سَجَنَهُ وَمَنَعَ مِنْهُ الطَّعَام وَالشَّرَاب أَيَّامًا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ بِخَمْرٍ وَلَحْم خِنْزِير فَلَمْ يَقْرَبهُ ثُمَّ اِسْتَدْعَاهُ فَقَالَ مَا مَنَعَك أَنْ تَأْكُل ؟ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ حَلَّ لِي وَلَكِنْ لَمْ أَكُنْ لِأُشَمِّتك بِي فَقَالَ لَهُ الْمَلِك فَقَبِّلْ رَأْسِي وَأَنَا أُطْلِقك فَقَالَ وَتُطْلِق مَعِي جَمِيع أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَبَّلَ رَأْسه فَأَطْلَقَهُ وَأَطْلَقَ مَعَهُ جَمِيع أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ عِنْده فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ يُقَبِّل رَأْس عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة وَأَنَا أَبْدَأ فَقَامَ فَقَبَّلَ رَأْسه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الكمال والتمام في رد المصلي السلام

    الكمال والتمام في رد المصلي السلام: بحث في حكم رد المصلي السلام.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/44530

    التحميل:

  • الطب النبوي

    الطب النبوي: كتاب يتضمن فصول نافعة في هديه - صلى الله عليه وسلم - في الطب الذي تطبب به، ووصفه لغيره حيث يبين الكاتب فيه الحكمة التي تعجز عقول أكبر الأطباء عن الوصول إليها.

    الناشر: موقع معرفة الله http://knowingallah.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/370718

    التحميل:

  • التوحيد أولاً

    التوحيد أولاً: في هذه الرسالة ما يهم ذكره من عظمة التوحيد وعلو شأنه، وشناعة الشرك وخطره على المجتمعات الإسلامية.

    الناشر: موقع المسلم http://www.almoslim.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/337290

    التحميل:

  • بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعًا وبعث به خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وسلم

    بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعًا وبعث به خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وسلم: الرسالة تحتوي على ثلاث مسائل: الأولى: حقيقة التوحيد والشرك. الثانية: توحيد المرسلين، وما يضاده من الكفر والشرك. الثالثة: توضيح معنى الشرك بالله.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2131

    التحميل:

  • أربعون مجلسًا في صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم

    يتناول الحديث عن سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وخلقه وشمائله وهديه من خلال 42 مجلسا يتضمن الحديث عن سيرته وحياته الطيبة، وحقوقه على الأمة، وهديه في رمضان,وعبادته، وصدقه وأمانته، وعدله، وعفوه وكرمه، ورفقه بالأمة، ورحمته بالمرأة،والطفل، والعبيد والخدم، والحيوانات والجمادات، ومعيشته، وشجاعته...

    الناشر: موقع البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة http://www.mercyprophet.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/191037

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة