Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة النمل - الآية 60

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) (النمل) mp3
" أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَات " أَيْ خَلَقَ تِلْكَ السَّمَوَات فِي اِرْتِفَاعهَا وَصَفَائِهَا وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنْ الْكَوَاكِب النَّيِّرَة وَالنُّجُوم الزَّاهِرَة وَالْأَفْلَاك الدَّائِرَة وَخَلَقَ الْأَرْض فِي اِسْتِفَالهَا وَكَثَافَتهَا وَمَا جَعَلَ فِيهَا مِنْ الْجِبَال وَالْأَطْوَاد وَالسُّهُول وَالْأَوْعَار وَالْفَيَافِي وَالْقِفَار وَالزُّرُوع وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار وَالْبِحَار وَالْحَيَوَان عَلَى اِخْتِلَاف الْأَصْنَاف وَالْأَشْكَال وَالْأَلْوَان وَغَيْر ذَلِكَ وَقَوْله تَعَالَى : " وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاء مَاء " أَيْ جَعَلَهُ رِزْقًا لِلْعِبَادِ " فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِق " أَيْ بَسَاتِين " ذَات بَهْجَة " أَيْ مَنْظَر حَسَن وَشَكْل حَسَن وَشَكْل بَهِيّ " مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرهَا " أَيْ لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَى إِنْبَات أَشْجَارهَا وَإِنَّمَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ الْخَالِق الرَّازِق الْمُسْتَقِلّ بِذَلِكَ الْمُتَفَرِّد بِهِ دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد كَمَا اِعْتَرَفَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه " " وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ نَزَّلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض مِنْ بَعْد مَوْتهَا لَيَقُولُنَّ اللَّه " أَيْ هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ الْفَاعِل لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ ثُمَّ هُمْ يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره مِمَّا يَعْتَرِفُونَ أَنَّهُ لَا يَخْلُق وَلَا يَرْزُق وَإِنَّمَا يَسْتَحِقّ أَنْ يُفْرَد بِالْعِبَادَةِ مَنْ هُوَ الْمُتَفَرِّد بِالْخَلْقِ وَالرِّزْق وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " أَإِلَه مَعَ اللَّه " ؟ أَيْ أَإِلَه مَعَ اللَّه يُعْبَد وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ وَلِكُلِّ ذِي لُبّ مِمَّا يَعْتَرِفُونَ بِهِ أَيْضًا أَنَّهُ الْخَالِق الرَّازِق وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُول مَعْنَى قَوْله : " أَإِلَه مَعَ اللَّه " فَعَلَ هَذَا وَهُوَ يَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْأَوَّل لِأَنَّ تَقْدِير الْجَوَاب أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ ثَمَّ أَحَد فَعَلَ هَذَا مَعَهُ بَلْ هُوَ الْمُتَفَرِّد بِهِ فَيُقَال فَكَيْف تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره وَهُوَ الْمُسْتَقِلّ الْمُتَفَرِّد بِالْخَلْقِ وَالرِّزْق وَالتَّدْبِير ؟ كَمَا قَالَ تَعَالَى " أَفَمَنْ يَخْلُق كَمَنْ لَا يَخْلُق " الْآيَة وَقَوْله تَعَالَى هَهُنَا " أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض " " أَمَّنْ " فِي هَذِهِ الْآيَات كُلّهَا تَقْدِيره أَمَنْ يَفْعَل هَذِهِ الْأَشْيَاء كَمَنْ لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء مِنْهَا ؟ هَذَا مَعْنَى السِّيَاق وَإِنْ لَمْ يُذْكَر الْآخَر لِأَنَّ فِي قُوَّة الْكَلَام مَا يُرْشِد إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى" آللَّه خَيْر أَمْ مَا يُشْرِكُونَ " ثُمَّ قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى" بَلْ هُمْ قَوْم يَعْدِلُونَ " أَيْ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عِدْلًا وَنَظِيرًا وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى " أَمَّنْ هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَر الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَة رَبّه " أَيْ أَمَّنْ هُوَ هَكَذَا كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ؟ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّر أُولُوا الْأَلْبَاب " " أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُور مِنْ رَبّه فَوَيْل لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبهمْ مِنْ ذِكْر اللَّه أُولَئِكَ فِي ضَلَال مُبِين " وَقَالَ تَعَالَى " أَمَّنْ هُوَ قَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ " أَيْ أَمَّنْ هُوَ شَهِيد عَلَى أَفْعَال الْخَلْق حَرَكَاتهمْ وَسَكَنَاتهمْ يَعْلَم الْغَيْب جَلِيله وَحَقِيره كَمَنْ هُوَ لَا يَعْلَم وَلَا يَسْمَع وَلَا يُبْصِر مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَام الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُون اللَّه ؟ وَلِهَذَا قَالَ " وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ" وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَات الْكَرِيمَات كُلّهَا .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية

    مقدمة في أصول التفسير : هذه المقدمة من نفائس ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، فقد ذكر فيها قواعد نافعة لفهم أصول التفسير، وهي صغيرة الحجم، تقع في 46 صفحة بحسب مجموع الفتاوى في الجزء رقم 13 من ص 329 حتى ص 375. وقد ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية استجابة لرغبة بعض طلابه، وقد أشار إلى ذلك في المقدمة، وفي هذه الصفحة شرح لها كتبه الشيخ مساعد بن سليمان الطيار - أثابه الله -.

    الناشر: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع www.aljawzi.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/291773

    التحميل:

  • تكريم المرأة في الإسلام

    تكريم المرأة في الإسلام : لقد كرم الإسلام المرأة بأن جعلها مربية الأجيال، وربط صلاح المجتمع بصلاحها، وفساده بفسادها، لأنها تقوم بعمل عظيم في بيتها، ألا وهو تربية الأولاد الذين يتكوَّن منهم المجتمع، ومن المجتمع تتكون الدولة المسلمة. وبلغ من تكريم الإسلام للمرأة أن خصص لها سورة من القرآن سماها «سورة النساء» ولم يخصص للرجال سورة لهم، فدل ذلك على اهتمام الإسلام بالمرأة، ولا سيما الأم، فقد أوصى الله تعالى بها بعد عبادته، وفي هذه الرسالة بيان بعض صور تكريم الإسلام للمرأة.

    الناشر: موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314994

    التحميل:

  • إرشاد الطالبين إلى ضبط الكتاب المبين

    إرشاد الطالبين إلى ضبط الكتاب المبين: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فلما أُسنِد إليَّ تدريس «علم الضبط» لطلاب قسم التخصُّص بمعهد القراءات بالأزهر، ورأيتُ حاجةَ هؤلاء الطلاب ماسَّة إلى وضعِ كتابٍ في هذا الفنِّ يكون مُلائمًا لمَدارِكهم، مُناسِبًا لأذهانِهم، وضعتُ لهم هذا الكتابَ سهلَ المأخَذ، قريبَ التناوُل، واضحَ الأُسلوب، مُنسَّق التقسيم. وقد التزمتُ في كتابي هذا: أن أذكُر عقِبَ شرحِ القواعد من كل فصلٍ ما يُشيرُ إليها ويُنبِّهُ عليها من النظمِ الذي وضعَهُ في فنِّ الضبطِ: الأُستاذُ العلامةُ محمد بن محمد الأمويُّ الشريشيُّ الشهيرُ بالخرَّاز، وذيَّل به الكتابَ الذي نظَمَه في علمِ الرسمِ المُسمَّى: بـ «موردِ الظمآن في رسمِ القرآن».

    الناشر: موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/384400

    التحميل:

  • حقوق المسلم

    حقوق المسلم: قال المُصنِّف: «فكرة هذا البحث المختصر تقوم على جمع الأحاديث التي اتفق على إخراجها كلٌّ من أهل السنة والإمامية، والمُتعلِّقة بموضوع: «خلق المسلم»، والهدفُ من هذا الجمع هو الوقوف على مدى الاتفاق بين الفريقين في ثوابت الدين الإسلامي، فكان أن تحصَّل للباحث مجموعة من هذه الأحاديث والآثار المتفقة في مضامينها بل وفي ألفاظها، مما يُؤيِّد ويُؤكِّد للباحث والقارئ فكرة وجود هذا الاتفاق خاصةً في هذا الموضوع، ويفتح الآفاق أيضًا أمام من أراد العمل على جمع الأحاديث المشتركة في الموضوعات الشرعية الأخرى».

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380435

    التحميل:

  • سلاح اليقظان لطرد الشيطان

    سلاح اليقظان لطرد الشيطان: قال المؤلف - رحمه الله -:- « فقد رأيت أن أحمع مختصرًا يحتوي على سور وآيات من كلام الله وأحاديث من كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن كلام أهل العلم مما يحث على طاعة الله وطاعة رسوله والتزود من التقوى لما أمامنا في يوم تشخص فيه الأبصار ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2558

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة